أفق أولوطاش - صحيفة أكشام - ترجمة وتحرير ترك برس
في الأسبوع المنصرم وتلبية لدعوة مجلة "رؤية تركية" كنت في زيارة إلى واشطن العاصمة وهناك وان كان موضوع النقاش الأساسي هو السياسة الخارجية التركية إلا أن مواضيع مثل العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وتقييم هذه العلاقات بناء على معايير حديثة ونقاط الاختلاف أو التوافق في مساعي وأهداف كلا البلدين والاماكن المحتملة للقتال والنزاع في الفترة المقبلة كلها كانت مطروحة على طاولة النقاش.
قد يكون هناك من لا يعرف أن مجلة "رؤية تركية" هي مجلة علمية أكاديمية محكمة مطبوعة باللغة الإنجليزية تتخذ من تركيا موضوعا مركزيا لها وتتطرق إلى تحليل الشأن التركي والمنطقة وحتى العالم بشكل عام. وهي تعد المجلة الأكثر اهتماما واقتباسا فيما يتعلق بالشأن التركي خصوصا أنها تراقب الوضع التركي من الخارج مما يجعلها مرجع معتمد. اجتماع واشنطن هذا الهادف لمناقشة التطورات الأخيرة في المنطقة وتركيا بشكل خاص شاركت فيه أسماء وشخصيات مهمة.
طبيعة العلاقات الأمريكية التركية لم يتم منحها التعريفات المناسبة ولم توضح خطوطها ولم يتم حل شيفرتها بعد، ففيما تلا الانتخابات التركية خفت حدة النقاشات الداخلية التركية إلى درجة كبيرة وعلى نفس الصعيد فإن "الاستقرار" هو الكلمة التي ترغب واشنطن بسماعها، هذه الكلمة السحرية إحدى الكلمات التي يرغب كلا الطرفين التركي والأمريكي التنعم بسماعها ولها دور حاسم في هذه العلاقات الثنائية.
فطبيعة واشنطن القيام بالمناورات السياسية في أي دولة تعاني من التقلبات السياسية أو من عدم وضوح الرؤية السياسية، وفي هذه الحالة فإن واشنطن تتهرب من الكلام الواضح ولا تتوانى عنى تدخلات عملياتية. لكن إذا كانت هذه الدولة مستقرة سياسيا، عندها تكون الرسائل أكثر وضوحا وشفافية وتنأى أمريكيا بنفسها عن المهاترات اليومية وتسعى إلى علاقة برغماتية حقيقية، وهذا الحال شبيه لطبيعة العلاقات مع تركيا اليوم. فالاستقرار الذي تلا الانتخابات وفوز حزب العدالة والتنمية وارتقائه إلى سدة الحكم لمدة لا تقل عن أربعة سنوات دفع الولايات المتحدة إلى العمل على إنشاء علاقات برغماتية تتماشى مع السياسة الداخلية التركية وهو ما أوضحه الخبراء الأمريكان. ونلحظ أن العلاقات استعادت صحتها بدرجة تصل إلى 49.5 % بعد عدم الوضوح وعدم الترتيب الذي تميزت به اثناء الفترة السابقة للانتخابات وفي فترة الانتخابات ذاتها.
بسبب محدودية المجال والزمن سأكتفي بالحديث عن موضوعين: يشكل موضوع داعش المبحث الأساسي للنقاشات في الولايات المتحدة فيما يخص الشرق الأوسط. فعيون واشنطن ترى داعش أكثر من تميزها ورؤيتها للاجئين السوريين والعراقيين، والرأي العام الأمريكي لا يهتم بشيء تقريبا سوى قضية داعش وقتاله. هذا المبحث يمثل سيف ذو حدين على العلاقات الثنائية فمن جهة يشكل فرصة يجب استغلالها ومن جهة أخرى يشبه حقل الألغام. ففرصة لأن الجميع في الولايات المتحدة يعطي أهمية للشراكة مع تركيا للوقوف بوجه داعش أما حقل ألغام لأن الولايات المتحدة لا تملك استراتيجية واضحة لقتال داعش وفي هذه النقطة وبدلًا من طرح الأوراق على الأتراك للاختيار نراها دخلت في حالة من الطلب المستمر. فالكل يتجاهل أن الوضع في سوريا ونظام الأسد هو السبب الأساسي في وجود داعش وفي "تأسيس" هذا التنظيم. أضف لذلك أن دعم الولايات المتحدة لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب وغيرها يمثل مشكلة كبيرة وتحضير لازمة على المدى البعيد. الولايات المتحدة لا يمكنها مجدالة داعش وقتاله بهذه الطريقة وسيتكلل جهدها بالفشل وقد ينعكس بالتلف على العلاقات الثنائية بين البلدين.
احتمالية إعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل أثار الجميع في واشنطن، لكن في الوقت ذاته يبدو واضحا خلال الفترة الماضية أن أسرائيل لم تعد تحتل دور المؤثر الأساسي والورقة الرئيسية في العلاقات الثنائية التركية – الأمريكية. بمعنى أنه إذا حصل تقارب بين إسرائيل وتركيا وتمت إعادة تطبيع العلاقات فسيكون حسنا جدا، لكن إذا لم يحدث هذا التطبيع والتقارب فإن العلاقات التركية الامريكية ستستمر في الجريان بنفس مسارها . لكن وبما أن إسرائيل ما زالت تمثل إحدى المحرمات للولايات المتحدة فإن العلاقات بين إسرائيل وأي طرف ثالث - وهو الحال مع تركيا - تتأثر وإلى حد بعيد بالعلاقات الأمريكية.
إن المناقشات الخاصة بتكوين حلف ضد داعش ما زالت مستمرة، أما إعادة التطبيع مع إسرائيل فسيؤدي إلى فتح صفحة جديدة للنقاشات التركية في واشنطن. وكلا هذين الموضوعين سيعطي العلاقات التركية الأمريكية شكلها وأبعادها بشكل عام أو على الأقل شكلها في التصور العام. الأخبار التي تناقش تطبيع العلاقات مع إسرائيل وقتال داعش 49.5 % منها إيجابي وسيؤدي إلى خلق بيئة مناسبة وإيجابية كذلك، لكن الأطراف مزروعة بالألغام ويجب الحذر!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس