د. سمير صالحة - العربي الجديد
النصيحة التي وجهها لنا أحد المحللين السياسيين اللبنانيين المدافعين عن السياسة الإيرانية في المنطقة في نهاية برنامج حوار تلفزيوني الشهر المنصرم كانت أن يتوجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الفور إلى "بيت الطاعة" الإيراني ويعلن من هناك عن فشل سياسته السورية والإقليمية عل طهران تفكر عندها في تقديم خدمة ما لأنقرة تساعدها على الخروج من ورطتها في أكثر من ملف وقضية.
أردوغان لم يذهب إلى طهران والذي ذهب هو رئيس وزرائه أحمد داود أوغلو لكن الذي سبقه في ذلك كان مساعد وزير الخارجية الإيراني إبراهيم رحيم بور الذي زار العاصمة التركية أولا موجها دعوة رسمية لأوغلو في خطوة إيرانية تزامنت مع تغيير السفير العامل في تركيا واختيار محمد إبراهيم طاهريان كسفير جديد بصلاحيات استثنائية واسعة كبادرة حسن نية باتجاه تخفيف التباعد والتوتر الإيراني التركي في سوريا.
رئيس الوزراء التركي تحدث عن الجانب الاقتصادي والسياحي في الزيارة وأهمية إعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها فهو يعرف أنها تراجعت تجاريا بنسبة 30 بالمائة في العامين الأخيرين وهو ذكر الإيرانيين بالخدمات التي قدمتها بلاده لإيران إبان أزماتها بسبب الحصار الدولي المفروض عليها ووقوف تركيا إلى جانبها في تسهيل عملية التفاوض حول الملف النووي الإيراني. لكن أوغلو يدرك أن تدهور العلاقات التجارية سببه المباشر هو تراجع العلاقات السياسية وأن لا فرصة لإيقاف تدهور العلاقات اقتصاديا سوى بطمر الحفرة السياسية الآخذة في الاتساع والتعمق على خط أنقرة طهران. تواجد أحمد داود أوغلو في طهران سببه ليس البحث عن التنسيق الثنائي المشترك لحل الملفات الإقليمية بل محاولة إيقاف ارتدادات النزيف المستمر في العلاقات الذي وصل إلى نقطة الخطر واللاعودة.
الأيام القليلة المقبلة ستساعدنا على معرفة نتائج هذه الزيارة لكن الكثير من الرسائل والمؤشرات والمواقف بدات تظهر إلى العلن بشكل إيجابي. أولها كان إعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني أن التعاون التركي الإيراني يحمل الاستقرار إلى المنطقة وأن إيران غير ملتزمة بالمواقف والسياسات الروسية في سوريا ومسارعة وزير الخارجية التركي مولود شاووش أوغلو للاعلان من جانبه أن زيارة الرئيس الإيراني المؤجلة أكثر من مرة ستتم في القريب العاجل إلى أنقرة.
طهران باتت تعرف أن الرد العربي وتحديدا الخليجي على سياساتها الإقليمية وتحريك حزب الله ليهدد السعوديين والأتراك من بيروت لا بد أن يكون له ثمن. لكن تركيا تعرف أيضا أن الخدمة التي قدمتها القيادات العربية لها مؤخرًا عبر التصعيد الجديد مع إيران وحسن نصر الله قد تعطيها الفرصة لتمكنها من استرداد الكثير مما فقدته في سوريا لصالح إيران وروسيا. المهم أن تلعب القيادة السياسية التركية هذه الأوراق باحتراف ومهارة.
خلط الأوراق السعودي الأخير فرصة مهمة لإيران التي قالت إنها سحبت جنودها من سوريا لتسحب مقاتلي حزب الله من هناك أيضا والابتعاد عن روسيا ومشاريعها الاتحادية التقسيمية في سوريا عبر رفض خطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الكونفدرالية وسحب الغطاء السياسي الذي تقدمه لموسكومن خلال تلميع صورة صالح مسلم واطلاق يده في شمال سوريا كشريك وحليف لبشار الأسد يحققان لها ما تريده هناك.
تركيا هي اليوم الشريك المهم لدول الخليج في التعامل مع الملف السوري وزيارة أوغلو قد تكون الفرصة الأخيرة لإيران لكنها قد تكون الاخيرة لأنقرة أيضا للالتزام بمواقف الدول الإسلامية الجديدة حيال حزب الله والقرارات المتخذة ضده وتبني سياسة التصعيد مع إيران في حال وصلت فرصة التحرك التركي على خط طهران إلى طريق مسدود.
من المبكر جدا الحديث عن تبادل خدمات تركية إيرانية كأن تتوسط أنقرة بين طهران والرياض مثلا مقابل أن تتوسط طهران بين أنقرة وموسكو والسبب هو التصعيد الروسي المستمر في سوريا ورفع سقف الشروط والمطالب التي كان آخرها حديث الكرملين عن أن سيادة سوريا باتت مسؤولية روسية وربما قد يكون هذا السبب الوحيد والكافي الذي قد يدفع القيادة الإيرانية لمراجعة سياسة تحالفاتها مع روسيا في سوريا.
معادلة الخروج من الورطة السورية عبر البوابة الإيرانية سقطت على ما يبدو أمام خيار التصعيد العربي الإسلامي لقطع الطريق على أي تفاهم روسي إيراني أمريكي على حسابه. الكرة الآن هي في ملعب القيادة الإيرانية والذي رماها هو العواصم العربية والخليجية علها تكون فرصة لإيران للاختيار بين المشروع الروسي في سوريا وبين الرجوع إلى التفاهم والتنسيق مع دول وشعوب المنطقة التي قررت الرد على التحدي والتهديدات المتزايدة ضدها مهما كان الثمن.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس