القاضي مصطفى القاسم - خاص ترك برس
أمام المواطن السوري اليوم -ذكرا كان أو أنثى - أحد خيارين: البقاء في الجحيم، أو الانتقال إلى ما يشبه الجحيم.
هذا هو شعور معظم السوريين بعد أن أدخل النظام السوري البلاد والمواطنين في أتون حرب لا مؤشرات على نهايتها، وساعدته دول وقوى كثيرة على تأجيج هذه الحرب وزيادة سعيرها.
وتكاد هذه الخيارات تكون القاعدة العامة سواء السوريين الذين لا زالوا في ربوع البلاد أو لمن هجروها. ففي الداخل ينقسم السوريون بين المناطق التي يسيطر عليها النظام والمناطق التي تعيش الحصار أو يقصفها ليل نهار. وفي الخارج يعيش السوريون متنقلين بين الخيام وبين ظروف الحياة الصعبة التي تحدّ من فرص عملهم وعيشهم الكريم، وبين الضغوط التي تمارس عليهم في معظم المجتمعات التي انتقلوا إليها، والتي يتعذر في هذا المعرض استعراض كامل أسبابها وأعراضها.
واليوم بينما تحتفل بعض جهات العالم بالعيد العالمي للمرأة، تستمر الحرب في سورية وتأتي المرأة السورية في مقدمة ضحاياها لناحية المعاناة ونوع العذابات التي تتعرض لها، فغني عن البيان وليس انتقاصا للمرأة الإقرار بأنها وفي الظروف التي مرّت بها كانت الطرف الأضعف إذا ما قورنت بالرجل.
لقد كانت المرأة السورية في ظروف الحرب المستعرة عرضة لأسوأ الانتهاكات، فقد انتقلت بشكل مفاجئ بعض الشيء ودون رحمة، من حالة المرأة المكرمة في بيتها، المعززة من مجتمعها، المحمية من زوجها ووالدها وأخيها وولدها، إلى حالة المرأة الضحية المطاردة الضعيفة المعرّضة لكل أشكال الضيم والهوان.
فعندما صعّد النظام استهدافه للمواطنين بكل صنوف الأسلحة، وأعمل فيهم القتل والجرح والاعتقال والاختطاف والإخفاء القسري والتشريد والتهجير، وجدت الأنثى نفسها فجأة وحيدة، فقد استشهد الكثير من الآباء والأبناء والأزواج واختفى بعضهم قسريا أو بعد اعتقاله التعسفي، كما التحق الكثير من الرجال والشباب بصفوف الثوار والمقاتلين، وهدمت البيوت وأصبحت المرأة شريدة مع من استطاعت الفرار معهم ممن تبقوا من أسرتها، وفي الطريق تشتت العائلات، فكثير منها فقدت أطفالها جراء القصف وظروف النزوح، ووصل بعض الأطفال أحيانا فرادى إلى أماكن لا قريب لهم فيها ولا راع يرعاهم، ولم تختلف الفتيات في ذلك عن الفتيان، وكثير من النساء فقدن التواصل مع أزواجهن لفقدهم أو لنشوب الخلافات بينهم نتيجة الظروف الصعبة وعدم وجود الرعاية والقدرة على التعايش وتلبية متطلبات الأسرة...
لقد جاوز دور المرأة دور الأم أو البنت أو الزوجة، لقد أصبحت فجأة رب العائلة والمسؤولة عن تدبّر الأمور المعيشية وتوجيه الأطفال والبحث عن الغائبين وحماية بناتها من الغوائل التي راحت تتنامى بشكل متسارع.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس