ترك برس
قال الباحث المصري في التاريخ والتراث، محمد شعبان أيوب، إن دخول العثمانيين إلى مصر في الربع الأول من القرن العاشر الهجري (923 هـ)، أدى إلى تطور ملموس في مكانة جامع الأزهر، مشيرًا أنه "بمرور الوقت صار مركزًا لافتًا من مراكز التدين والعبادة والتعليم".
جاء ذلك في تقرير له نشره موقع "إضاءات"، تحت عنوان "الأزهر والأزاهرة في مصر العثمانية"، أشار فيه إلى أن "التطور الأبرز في الجامع كان باستحداث منصب شيخ الأزهر في العام 1090هـ/1679هـ باعتلاء الشيخ محمد بن عبد الله الخراشي المالكي، وبهذا انتقل الأزهر من كونه مجرد مدرسة وجامع من جوامع القاهرة إلى كونه رأس المؤسسة الدينية والتعليمية فيها".
وأضاف قائلًا: "بُني الأزهر أول ما بُني في مستهل حكم الفاطميين في مصر في العقد السابع من القرن الرابع الهجري 362هـ، وأُريد منه أن يكون منبرًا وجامعة للنشر والدفاع عن الأفكار والعقائد الشيعية الإسماعيلية، ومركز العبادة الأكبر لأهل القاهرة المدينة الجديدة آنذاك، وكذلك ليكون منافسًا فكريًا لمدارس وجوامع بغداد في ظل الخلافة العباسية السنية، وظل الحال على ذلك التنافس المذهبي والعقدي بين السنة والشيعة حتى تمكن صلاح الدين الأيوبي من بسط السيطرة الأيوبية على مصر في عام 567هـ، وإعادة الدعوة للخلفاء العباسيين السنة على منابر القاهرة، وبهذا قضى على النفوذ الإسماعيلي".
ولفت إلى أنه "إمعانًا في ذلك، أصدر أمره بإغلاق الجامع الأزهر، وظل قرار الإغلاق ساريًا لمدة مائة عام كاملة حتى أمر بإعادة افتتاحه وتجديده السلطان الظاهر ركن الدين بيبرس في مستهل عصر المماليك البحرية في عام 665هـ، وقد صاحبَ ذلك ثورة إنشائية ومعمارية كبرى قام بها المماليك طوال قرنين ونيف فيما بعد، ازدهرت فيها المدارس والخانقاوات والزوايا والبيمارستانات والكتاتيب، وصار الأزهر وسط هذه الكوكبة العظمى من المدارس والجامعات محضنًا علميًا، ومركزًا دينيًا مهماً، غير أنه ظل مجرد مكان للتعبد والدرس لا غير".
وبيّن أن المدارس / الكليات الأخرى التي أنشأها المماليك والأيوبيون من قبل تحولت إلى مؤسسات عديمة الأهمية مقارنة بالأزهر، بل إن وظائف التدريس في تلكم المدارس/الكليات صارت من نصيب مشايخ الأزهر، وأنه "تعاقب على مشيخة الأزهر خمسة من كبار الفقهاء المالكية، وذاك أمر مستغرب حقًا في ظل سيادة المذهب الشافعي على مصر منذ دخول الإمام الشافعي إليها في مستهل القرن الثالث الهجري، وصار المذهب الشعبي الأول لأهل البلاد منذئذ، ثم مستغربًا لأن المذهب الحنفي كان المذهب الرسمي للعثمانيين في اسطنبول والأتراك المماليك في القاهرة".
وأوضح أنه "يزول العجب حين نعلم أن اختيار شيخ الأزهر في ذلك الزمن كان يتم بموافقة العلماء والفقهاء كافة، لأرسخهم علمًا، وأرفعهم مكانة، وأكثرهم تلمذة، وهو النظام الذي نراه اليوم في كبرى الجامعات العالمية مثل برنستون وغيرها، بيد أن هذا الأمر سُرعان ما نُسي، وعادت الزعامة من جديد لأرباب المذهب الشافعي كما كانوا من قبل على المستوى الشعبي منذ القرن الثالث الهجري، وعلى المستوى السياسي منذ عصر الأيوبيين والمماليك".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!