محمد زاهد جول - الخليج أونلاين
تلقت أمريكا هذا الأسبوع طلبين متناقضين بشأن سوريا، أحدهما روسي والآخر تركي، المطلب الروسي جاء على لسان وزير الخارجية الروسي لابروف إلى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، يطلب فيه إغلاق الحدود التركية السورية، جاء ذلك في اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية الروسي مع نظيره الأمريكي "جون كيري" صباح يوم 2016/4/2، مدعياً فيه أن مسلحين يتسللون إلى الأرضي السورية عبر الأراضي التركية، وقد نشر الخبر بيان الخارجية الروسية على موقعها الإلكتروني، وقال: "إن لافروف بين لوزير الخارجية الأمريكي، أن المعلومات المتوفرة لدى بلاده تفيد بأن مسلحين يستعملون الحدود التركية السورية في التسلل إلى داخل الأرضي السورية، وعليه فإن روسيا تطالب لجنة الأمن التابعة لمجلس الأمن الدولي "بالتدخل لإغلاق الحدود التركية السورية، للحد من تدفق المقاتلين إلى الأراضي السورية"، على حد تعبيره.
وهذا الادعاء الباطل يكرره الروس لأنهم يريدون أن يحدوا من تنقل أبناء الشعب السوري من أراضي الجوار بما فيها تركيا، والهدف منع فصائل المعارضة السورية أن تكون على تواصل مع شعبها بالداخل، فروسيا تعلم أن تركيا تمنع دخول أي شخص يشتبه بانتمائه إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"، بل تقوم باعتقاله إن كان تركياً، وترحيله إلى بلاده أو بحسب طلبه إن كان غير تركي، كما حصل مع مصطفى بكراوي أخيراً، الذي سلمته السلطات التركية إلى هولندا بناء على طلبه، وبعدها قام بتفجيرات بروكسل، فالتقصير اتجاه هؤلاء الإرهابيين هو من الحكومات الأوروبية نفسها بما فيها روسيا، وتهريب روسيا آلاف المقاتلين الشيشان إلى سوريا غني عن التدليل.
وأما المطلب الثاني الذي تلقته أمريكا هذا الأسبوع فهو الطلب التركي، حيث أكّد الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" أنه تباحث مع نظيره الأمريكي "باراك أوباما" حول مسألة إنشاء مناطق آمنة ومناطق حظر للطيران داخل الأراضي السورية، وذلك خلال لقائه بالأخير في العاصمة واشنطن التي يزورها للمشاركة في قمة الأمن النووي، أي إن الطلب التركي جاء على مستوى رؤساء الدول.
وحتى لا يبقى الطلب التركي مثيراً للمخاوف فقد أوضح أردوغان خلال لقائه بالصحفيين، أنّه عرض على أوباما فكرة إقامة هذه المناطق داخل سوريا من أجل إسكان السوريين النازحين من المناطق التي تشهد اشتباكات فيها، وأنّ هذا الأمر من شأنه تخفيف أزمة اللاجئين، أي إن الهدف التركي إنساني فقط، وقد لا يكون جزءاً من التأثير السياسي أو العسكري على مجريات الصراع في سوريا، فتركيا الآن وهي تستقبل نحو ثلاثة ملايين لاجئ على مدى خمس سنوات أصبح الأمر ليس سهلاً عليها، ولا بد أن يتحرك العالم لمساعدة تركيا لتخفيف أعباء اللاجئين، ليس في تقديم الدعم المالي فقط، وإن لم تنفذ أوروبا إلا اليسير منه، وإنما بإيجاد حل لمشاكل اللاجئين داخل الأراضي السورية، بإيجاد مساكن لهم على الشريط الحدودي السوري التركي، وذلك بإقامة مدينة سكنية كبيرة، يمكنها إيواء مئات الألوف وملايينهم من اللاجئين التائهين داخل سوريا وخارجها، وبالأخص اللاجئين الرافضين المكوث في تركيا ويرغبون بالهجرة إلى أوروبا.
ولكن وضمن المشاريع الأمريكية الخاصة، فلا يتوقع أن تستجيب أمريكا للمطلب الروسي بإغلاق الحدود التركية السورية عن طريق مجلس الأمن، ولا أن تستجيب للمطلب التركي بإقامة منطقة آمنة بالمعنى السياسي والعسكري، لأن أمريكا وهي تدرك أحقية المطالب التركية بضرورة إقامة منطقة سكنية كبرى للاجئين السوريين داخل بلادهم، إلا أنها تدرك أن المطلب التركي له صلة بالمشاريع الأمريكية مع حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي تدعمه أمريكا وترفض اعتباره منظمة ارهابية، أي إن الموضوع له صلة بالرؤية الأمريكية لتقسيم سوريا وإقامة كيان كردي شمالي سوريا، فأمريكا وهي تعلن رفضها لدعم مشروع كردي انفصالي شمالي سوريا إلا أنها لا تقطع صلتها بحزب الاتحاد الديمقراطي ومليشاته المسلحة وحدات حماية الشعب، وتدعمهم بالأسلحة بحجة محاربة داعش، وضحاياها كانوا كثيراً وغالبا من غير داعش.
لقد أوضح أردوغان أنّه لمس تغيراً في المواقف الأمريكية تجاه منظمة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري (الذراع السوري لمنظمة بي كا كا الإرهابية)، لافتاً إلى أنّ المسؤولين الأمريكيين، أكّدوا عدم السماح بتشكيل كيان مستقل لهؤلاء في الشمال السوري، وأشار أردوغان خلال حديثه عن هذا الموضوع، أنّ بلاده قدّمت للولايات المتحدة الأمريكية لائحة تضم أسماء ألف و600 مقاتل من السوريين العرب والتركمان، مجهزين لقتال تنظيم داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى في المناطق الشمالية، وإنهم يعتزمون تقديم لائحة جديدة تضم أسماء 600 آخرين، وقال الرئيس أردوغان في هذا الصدد: "لم يعد للولايات المتحدة الأمريكية حجّة لدعم هذه المنظمة، فالمعارضة المعتدلة مستعدة لقتال تنظيم داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى في الشمال السوري، وإننا قدمنا لهم أسماء هؤلاء المقاتلين".
إن امريكا أمام مطلبين متناقضين، ليس فقط من جهة الجهات الطالبة، وإنما من جهة أثره على الوضع السوري، فإغلاق الحدود السورية التركية قد يكون مفيداً لتركيا، ويخفف من أعباء اللجوء إليها، ولكنه يزيد من معاناة الشعب السوري أكثر، وهذه مسألة لا تفكر فيها السياسة الروسية، فقد كانت مآسي الشعب السوري آخر ما تفكر بها القيادة الروسية، في حين ينظر المطلب التركي إلى أهمية مساعدة الشعب السوري أولاً وأخيراً، فإقامة منطقة سكنية آمنة للشعب السوري على حدوده التركية أو الأردنية أو اللبنانية أو العراقية، سوف يساعد الشعب السوري كثيراً، لأنه سيبقى داخل حدود دولته أولاً، ويستطيع العودة إلى بيته ومزرعته كلما تيسر له ذلك، وعند الخطر يذهب إلى المدينة السكنية الآمنة، وهذه المدن السكنية الآمنة ستكون ورقة ضغط على كل أطراف الصراع في سوريا، وليس بشار الأسد وحده، ولذلك فإن المطلب الروسي يزيد الأزمة والمطلب التركي يخفف منها، لذا فإن السياسة التركية تأمل أن تعود القيادة الروسية إلى رشدها وتعدل عن القرارات المجحفة التي اتخذتها عقب حادثة إسقاط المقاتلة الروسية التي انتهكت الأجواء التركية في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، سواء على صعيد العلاقات الثنائية بين روسيا وتركيا، أو بخصوص السعي لمساعدة الشعب السوري، وليس نظام حكم شرد الشعب السوري وقسمه سكانياً قبل أن يقسمه جغرافياً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس