محمد حسن القدو - خاص ترك برس
أعقبت حادثة إسقاط الطائرة الروسية من قبل المقاتلات التركية سلسلة من الأحداث والمتغيرات خصت كلًا من تركيا وروسيا والتي أدت بدورها إلى الاكتفاء ببعض الإجراءات الاقتصادية التي اتخذت من الجانب الروسي ضد تركيا إضافة إلى التصريحات المتبادلة من الطرفين ضد الطرف الآخر حول القضايا التي تهم البلدين وهذه التصريحات وإن كانت نارية من الطرفين إلا أنها لم تؤدي إلى مزيد من تفاقم العلاقات المضطربة بينهما، وبدا واضحا أن قيام روسيا بسلسلة من الإجراءات العقابية الاقتصادية والتي أقرتها ضد تركيا سيكون مردها وتأثيرها غير المباشر ضدها ولكنها كانت مضطرة إلى ذلك حفاظا على سمعتها وبعبارة أخرى إن آخر ما كانت تتمناه روسيا هي قطعها لعلاقاتها الاقتصادية مع تركيا.
وكما للروس كذلك للأتراك فإن قطع العلاقات مع دولة عظمى كروسيا تعد خسارة كبيرة بالنسبة لها وهي كانت معلقة الآمال على تطويرها لتكون واحدة من أكبر البلدان التي تربطها بعلاقات اقتصادية ومالية وثقافية إلا أن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، وبالتأكيد صُدِمت الدولتان من تأزم علاقاتهما بسبب المواقف التركية مع الروس وامتناعها عن تطبيق عقوبات اقتصادية غربية عليها وكذلك بسبب التحول الروسي الشعبي إلى الاستثمار الاقتصادي والسياحي في تركيا.
لكن بدا واضحا من القيادتين وخصوصا بعد هدوء العاصفة الإعلامية حول إسقاط الطائرة تحديدا رغبتهما بإيجاد حل مناسب للطرفين أو على الأقل بدء مشاورات حول حادثة الطائرة لوضع صيغة ترضي الصديقين المتخاصمين واللذين أعلنا مرارا أن لا حرب ستنشب بينهما بسبب الحادثة.
وكما أسلفنا فإن المستجدات على الساحة السياسية الإقليمية والدولية أثرت بشكل مباشر على إرجاع وتطبيع العلاقات بينهما وأصبح لزاما استراتيجيا للطرفين تجاوز الماضي والبدء على وجه السرعة بإعادتها، وهما الراغبان بذلك لكن هناك ما يمنعهما من ذلك وكما علق الدكتور فيصل القاسم في إحدى مواويله على حالتهما.
أولى هذه الأسباب والمستجدات كانت بعد أن تأكدت روسيا من أن الاتحاد الأوروبي سيقوم بتمديد العقوبات الاقتصادية عليها بعد فشل التقدم الحاصل حول النزاع الأوكراني، وهذا ما حصل بالفعل بعد اجتماع سفراء الدول الأعضاء الـ28 والذين وافقوا على تمديدها، وشملت العقوبات المقترحة قطاعات النفط والمال والدفاع وبالتأكيد إن الولايات المتحدة ستحذو حذو الأوروبيين في فرضها عقوبات إضافية.
والسبب الثاني والمهم هو أن الروس قد بدا عليهم التململ الواضح من التدخلات غير المجدية وغير المبررة والمكلفة في الشان السوري وهذه كانت من النقاط الخلافية بينهم وبين تركيا، وقد وضحت ذلك بعد سحب روسيا لطائراتها من روسيا بصورة فجائية وسعيها الدائم إلى إيجاد حل للأزمة، وإن الحل السوري سيقضي على وجه الخلافات التركية الروسية.
وتأتي الخلافات الإيرانية الروسية حول المسألة السورية سببا مهما أيضا في دعم توجه روسي لإيجاد حل سياسي للأزمة وجاء إعلان الخارجية الروسية أن بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة "لا يعد أمرا مبدئيا بالنسبة لموسكو" دليلا واضحا على أن الفجوة الحاصلة بين الروس والإيرانيين قد بدأت تتوسع بسبب نظرة الطرفين إلى مستقبل الرئيس السوري فالإيرانيون وعلى لسان المسؤولين الأمريكان نقلا عن الرئيس أوباما "أن الايرانيين يعرفون حسابات الربح والخسارة" وان الإيرانيين في سورية لا يتعلقون ببقاء الأسد بل هم عملوا على إبقائه في الحكم حتى يتمكنوا في وقت لاحق من مقايضته وحسب ما يصرح به الأمريكان .
هذه من ناحية ومن ناحية أخرى أدركت روسيا أن تدخلها في سوريا بمؤازرة إيرانية ثم سعي إيران إلى تهميش الدور الروسي سياسيا وعلى الأرض بعد أن قام الإيرانيون بجلب ميليشيات حزب الله إلى المواقع الحيوية في سوريا وهناك كثير من التفاصيل التي تؤكد الخلاف الروسي الإيراني على الأرض ولكن لا مجال لذكرها، فقد كشفَ القائدُ العام للحرسِ الثوريِ الإيرانيِ محمد علي جعفري أنَّ هناكَ خلافًا بينَ بلادِهِ و روسيا حولَ بشار الأسد، مؤكدًا أنَّ روسيا ليست سعيدةً بوجودِ حزب الله، وباختصار العبارة إن الإيرانيين والروس هم على نقيض من غايتهما من تدخلهما في الشأن السوري وأيضا اختلافهما حول مجمل القضايا الإقليمية وهذا ما أكده بعض المسؤولين الأمريكان والذين تحدثوا إلى (الرأي) وطلبوا عدم الكشف عن اسمائهم من أن إدارة الرئيس باراك أوباما صارت تعتقد أن "إيران تعلّق أهمية على إلحاقها الهزيمة بالسعودية أكبر بكثير من الأهمية التي تعلقها على بقاء الأسد في الحكم، جاء ذلك بعد قطع السعودية لعلاقاتها مع إيران والتصريحات السعودية بدعم المعارضة المعتدلة السورية، وهذا ما يؤكد أن إيران لها مآرب أخرى غير مآربها في الإبقاء على حكم الرئيس بشار الأسد، وفي هذا خلاف للأهداف الإيرانية والروسية في المنطقة حيث تسعى روسيا إلى إقامة علاقات جيدة مع معظم دول المنطقة.
هذه من ناحية ومن ناحية أخرى فإن روسيا التي تبحث عن شريك دائم ذي استقلالية في القرارات وحيادية ويبادلها في التوجه قد خاب أملها من إيران مرة أخرى بعد توقيع الثانية الاتفاقية المبرمة حول مفاعلاتها النووية مع الغرب وأمريكا فقد توجهت إيران إلى تطوير علاقاتها مع الغرب عموما والأمريكان على وجه الخصوص اقتصاديا في مسعى منها لتحرير الأموال المجمدة الإيرانية والتي بلغت عشرات المليارات من الدولارات في البنوك العالمية ولم يعرف على وجه التحديد الرقم الحقيقي للأموال المجمدة فالإيرانيون الرسميون يدعون بأنها 80 مليار دولار بل إن البعض يقدرها بأكثر من 125 مليار والبعض الآخر يؤكد أن الأموال الإيرانية المجمدة تصل إلى ما يقارب 150 مليار دولار، لكن الغريب في الأمر أن القيادة الإيرانية هي من تدعي أقل هذه التقديرات، ولكن إيران التي وقعت على بنود الاتفاق ومن ضمن بنودها إطلاق أرصدتها في البنوك الأجنبية لم تستطع أن تحرر إلا جزءًا قليلًا من هذه الأرصدة وهناك تخوفات إيرانية حقيقية من تأخر إطلاقها بل تخشى أن يذهب قسم من هذه الأموال كتعويضات كما حدثت في فترة سابقة عندما أصدرت إحدى المحاكم الأمريكية قرارا يقضي بالاستيلاء على ملياري دولار كتعويض لضحايا برجي التجارة العالمية.
لذا فإن الروس بتحالفهم المؤقت مع الإيرانيين هي عبارة عن صفقة غير مجدية في تاريخ العلاقات الروسية منذ سقوط الاتحاد السوفيتي لأن إيران مرغمة على تطوير علاقاتها مع الغرب وتهميش علاقاتها مع الروس بسبب الهيمنة الأمريكية والغربية وتهديدهما الواضح والصريح للإيرانيين بحجة نشاطاتها العسكرية وقدراتها الصاروخية ومفاعلاتها النووية.
أما تركيا التي خذلت من موقف حلف شمال الأطلسي وأمريكا على وجه الخصوص حول المسألة السورية وتركهم لها وحيدا في مواجهة التطورات الحاصلة على الحدود مع سوريا والدعم الأمريكي للفصائل الكردية في سوريا والتي تعتبرها تركيا منظمات إرهابية وتهدد أمن تركيا فقد باتت تدرك أن التحالف مع الغرب أصبح من الماضي ويجب أن تكون لها علاقات جيدة مع دول أخرى كروسيا ولا سيما أنها من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن إضافة إلى السعي التركي إلى تطوير علاقاتها مع دول حوض البحر المتوسط، في المقابل أن العلاقات التركية مع الدول العربية ومن ضمنها السعودية وقطر هي علاقات استراتيجية وهذه بطبيعة الحال تنعكس إيجابيا على العلاقات الروسية مع هذه الدول في حال تطبيع علاقاتها مع تركيا.
والآن وبعد المحادثة الهاتفية بين الرئيسين الروسي والتركي وتقديم الرئيس الروسي التعازي للأتراك حول العملية الإرهابية التي حدثت في مطار أتاتورك هل تكون تلك نقطة فاصلة في مسار القضية السورية وهما معنيان بصورة مباشرة بالشأن السوري وخصوصا أن بن علي يلدرم يبحث عن صفر مشاكل.
الجواب أن صفر مشاكل يعني لا مشاكل إطلاقا ويجب أن تحل كل المشاكل حتى تكون النتيجة صفرا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس