تأتي هذه المقالة في سياق تغطية ردود الفعل الإسرائيلية على الاتفاق الأخير مع تركيا
مزال معولام - يسرائيل بولز - ترجمة وتحرير ترك برس
ثمة شبه كبير بين اتفاق المصالحة مع تركيا الذي تركز على تنازل ضخم قدمته إسرائيل، تنازل مالي وضربة لصورة إسرائيل في كل ما يتعلق بعامل الخضوع في مواجهة عمل إرهابي على متن السفينة، وبين إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط في أيلول/ سبتمبر 2011. وهو قرار آخر أحب نتنياهو أن يصوره على أنه قرار قيادي صعب.
"أسمع الانتقادات وأتفهمها، لكن القيادة يجب أن تقف حازمة، وتتخذ قرارات معقدة، وأحيانا قرارت صعبة... وتتخذها بمسؤلية وتصميم وشجاعة. وهكذا أعمل وسأظل أعمل من خلال رؤية واسعة وطويلة الأجل للمصلحة القومية لدولة إسرائيل، حتى لو كان الأمر معرضا للانتقاد".
بهذه الكلمات اختتم نتنياهو المنشور الذي نشره يوم الثلاثاء ( 28 حزيران/ يونيو) على صفحته على موقع فيسبوك، وهو المنشور الذي أوضح فيه لماذا تعذر عليه أن يضمن اتفاق المصالحة مع تركيا تعهدا من جانب حماس بإعادة جثث قتلى عملية "الرصاص المصبوب" أورين شاؤول وهادار غولدن المحتجزتين في غزة.
أثار نتنياهو هذه الأمور بينما حدثت في الخلفية عاصفة سياسية قبل المصادقة في اليوم التالي (29 حزيران) على الاتفاق في الكابينت الذي يضم عشرة وزراء. في داخل الكابينت أعلن الوزراء من حزب البيت اليهودي، نفتالي بينيت وأيليت شاكيد، أنهما سيعارضان هذه الخطوة التي تعد خضوعا للإرهاب، وأوضح وزير الدفاع الجديد أنه لم يغير موقفه وسيعارض الاتفاق. وفي الخارج مارست عائلات الجنود ضغوطا على الوزراء الأعضاء في الكابينيت لعدم تأييد الاتفاق.
في هذه الأجواء حاول أيضا مسؤولون في مكتب نتنياهو أن ينقلوا رسالة إلى الشعب بأنهم يخشون من عدم المصادقة على الاتفاق، على الرغم من أنه كان واضحا في هذه المرحلة أن ذلك احتمال ضعيف، ولا سيما على ضوء أن نتنياهو لديه صوت إضافي في الكابينت. وفي نهاية الأمر صادق الكابينت على الاتفاق بينما عارضه ثلاثة من بين عشرة وزراء.
لكن نتنياهو أراد التأكيد في منتصف منشوره بأن الحديث يدور عن قرارت قيادية صعبة، وأراد من خلال البيانات الصادرة في المقابل من مكتبه عن مخاوف من الخسارة في التصويت أن يخلق أجواء دراما سياسية استعدادا لقرار مصيري.
القضية أن الاتفاق مع تركيا لا ينطبق عليه تعريف القرار الصعب المعقد الجري أو المصيري. فهذا قرار يجب على كل رئيس حكومة - وبالطبع نتنياهو الذي حدثت أزمة السفينة مرمرة خلال فترته الثانية 2010 - أن يصدره كجزء من المصلحة القومية. هذا القرار، بحسب ما هو معروف عنه اليوم، كان بمقدور نتنياهو أن يتخذه منذ وقت بعيد وبثمن أقل تكلفة، لكنه لم يكن قادرا على الحسم بسبب خوفه من الرأي العام الإسرائيلي الذي رأى في الاتفاق خضوعا للإرهابيين الذين أهانوا مقاتلي الجيش الإسرائيلي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الضغوط السياسية أيضا من جانب اليمين، وخاصة من جانب وزير الخارجية آنذاك أفيغدور ليبرمان الذي رفع الراية الحمراء في مواجهة كل محاولات المصالحة، قد منعته من التوقيع.
وكانت النتيجة أن نتنياهو تأخر ولم يحسم، وهو سلوك على العكس تماما من مظهر الزعامة وإصدار القرارات الشجاعة.
أدرك نتنياهو، آنذاك واليوم أيضا، أهمية المصالحة وتطبيع العلاقات مع تركيا، لكن لم تكن لديه الزعامة المطلوبة للسعي إليها. هو بنفسه استطلع وتحقق بشكل دقيق للغاية، وأوضح الأهمية الاستراتيجية لاتفاق المصالحة في مؤتمر صحفي عقده يوم الاثنين صباحا (27 حزيران) في روما، وبين أنه في ظل الاضطرابات في الشرق الأوسط، فإنه يرغب في تكوين "سوابق للاستقرار" أو حسب عبارته: "إن إسرائيل وتركيا قوتان إقليميتان في المنطقة، والقطيعة بيننا لم تفد مصالحنا المشتركة، وحالت بيننا وبين التعاون في مجالات مهمة" وهذه الأمور كلها كانت صحيحة قبل ثلاث أو أربع أو خمس سنوات، وهكذا يمكن فقط أن نتأسف على السنوات الضائعة، التي زادت فقط من شدة الأزمة.
يحاول نتنياهو خلق انطباع بشأن قرار قيادي يصعب تحمله، ولكنه في الواقع لم يخاطر بأي شيء. ستبقى حكومته حتى ضد الأصوات الخلفية الصادرة من اليمين، من بينت وشاكيد. أما الشعب الذي يعارض الاتفاق فسينسى بسرعة انطباع الإهانة، لأن الذاكرة الشعبية قصيرة دائما، ومن مثل نتنياهو يعرف إلى أي حد هي ذاكرة قصيرة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن اتفاق المصالحة فرصة لفحص قرارات نتنياهو القيادية، فبعد عقد كامل من الزمن في منصب رئيس الحكومة لا يمكن أن ننسب له الفضل في أي قرار كبير محفوف بالمخاطر بالنسبة له أو بالنسبة لبقائه السياسي.
ثمة شبه كبير بين اتفاق المصالحة مع تركيا الذي تركز على تنازل ضخم قدمته إسرائيل، تنازل مالي وضربة لصورة إسرائيل في كل ما يتعلق بعامل الخضوع في مواجهة عمل إرهابي على متن السفينة، وبين إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط في أيلول 2011. وهو قرار آخر أحب نتنياهو أن يصوره على أنه قرار قيادي صعب.
وحتى قرار إطلاق سراح جلعاد شاليط، مقابل تحرير أكثر من ألف إرهابي، من بينهم مئات ممن تلطخت أيديهم بالدماء، وهو أعلى ثمن دفعته دولة إسرائيل مقابل جندي واحد، كان تنازلا كبيرا. تنازل نتنياهو عن المبدأ، الذي عرفه هو بنفسه حين قال (مثل هذه الصفقات جائزة للإرهاب، وتضعف قدرة إسرائيل على الصمود) عندما عارض صفقة أحمد جبريل في عام 1985 التي أطلق فيها سراح 1150 أسير مقابل ثلاثة جنود أحياء.
وآنذاك أيضا "إبان صفقة شاليط" حدثت دراما سياسية حول المصادقة على الصفقة في الحكومة. وعل الرغم من أنه كان واضحا لنتنياهو أنه يملك الأغلبية بحزب العمل ووزراء حزب شاس، فإنه بذل جهودا تسويقية كبيرة لإيجاد انطباع بأنه اتخذ قرارا قياديا صعبا. ومرة أخرى صدرت بيانات من مكتبه عن محادثاته مع رؤساء دول وقادة قال لهم فيها عبارات من قبيل "القيادة تختبر في مثل هذه اللحظات".
لكن قرار تحرير جلعاد شاليط أيضا كان يفتقر إلى مميزات قرار القيادة. وعلى العكس، لو قرر نتنياهو عدم تحرير الجندي والعمل وفق مبدئه بأنه لا يجوز لدولة أن تخضع للإرهابيين، لكان ذلك قرارا صعبا، لأنه عند اتخاذ هذا القرار كان يجب عليه أن يقف في مواجعة غالبية الشعب الإسرائيلي الذين كانوا يرغبون في تحرير الجندي الذي أطلق عليه "ابننا جميعا". لكن نتنياهو اتخذ خطوة شعبية، ومثلما اتضح في الأيام الماضية فقد كانت هذه الخطوة تهدف إلى صرف الأنظار عن حركة الاحتجاج الاجتماعي في صيف 2011 التي هزت منصبه. صحيح أنه تصادم حول الأسلوب مع اليمين الذي هاجمه، لكن لم يكن في ذلك أي خطر على استمراره السياسي.
اتخذ رؤساء الحكومات الذين سبقوه قرارات قيادية حقا، قرارات كانت تنطوي على مخاطر سياسية حقيقية أو خطر على حياة شخص: أريئيل شارون بخطة الانفصال عن غزة، وإسحاق رابين باتفاقيات أوسلو، وكذلك في عملية مطار عنتيبي عندما أرسل عشرات الجنود لإنقاذ الرهائن في جو من عدم اليقين، مع العلم أنه إذا فشل، فكان سيضطر إلى الاستقالة . وكذلك مناحم بيجن الذي أمر بقصف المفاعل النووي العراقي في عام 1981 بعد أن قاد اتفاق السلام مع مصر، وهما قراران قياديان يصعب تحملهما.
وحتى إيهود باراك اتخذ قرارا قياديا شجاعا، فبوصفه رئيسا للحكومة خاطر مخاطرة كبيرة عندما توجه إلى قمة كامب ديفيد (التي أدت بالفعل إلى نهايته السياسية) ناهيك عن القرارات المصيرية التي اتخذها دافيد بن غوريون في السنوات الأولى لإسرائيل.
وماذا عن نتنياهو؟ حتى الآن لم يتخذ أي قرار مماثل يمكن أن يوصف بأنه قرار قيادي، والمصالحة مع تركيا لا يمكن أن توصف بذلك بالتأكيد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس