مصطفى أكيول - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس
في الثاني من أكتوبر/ تشرين أول عقد اجتماع بين البلدين في موسكو جمع بين أحمد تونش، مستشار رئيس بلدية أنقرة مليح جوكتشك المؤيد القوي للرئيس رجب طيب أردوغان، وبين إلكسندر دوغين المستشار الخاص للرئيس فلاديمير بوتين. وخلال الاجتماع طرح دوغين الزعم المثير بأنه شخصيا ساعد في إنقاذ تركيا من انقلاب عسكري بإبلاغ السلطات التركية عن بعض "التحركات غير العادية" في الجيش في 14 من يوليو/تموز قبل يوم واحد من محاولة الانقلاب. وزعم دوغين أيضا أن المؤامرة الانقلابية حدثت لأن "أردوغان بدأ يتحول في اتجاه روسيا".
وحث دوغين أيضا ضيوفه الأتراك على إعادة النظر في توجهات بلدهم. وفي إشارة إلى محاولة تركيا غير الواعدة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قال دوغين: "تعرفون أنهم لا يرحبون بالأتراك في أوروبا، ومع ذلك فعلى حين أن أبواب أوروبا مغلقة أمامكم، فإن أبواب روسيا مفتوحة".
لو أن دوغين كان محللا سياسيا عاديا، لما كانت هذه الكلمات تعني الكثير، ولكنه شخص ينظر إليه على نطاق واسع على أنه المنظر السياسي لبوتين. وقد وصفته وسائل الإعلام الغربية بأنه "عقل بوتين" و"نبي الإمبراطورية الروسية الجديدة". وهو معروف بتشجيعه للنزعة "الأورآسيوية" التي تبدو أنها "مخطط لتجميع أعداء الليبرالية في العالم تحت قيادة روسيا".
ومنذ الانقلاب الساقط عززت وسائل الإعلام الروسية دعوة دوغين لتركيا. لفقت المواقع الموالية للكرملين مادتين كاذبتين في شهر سبتمبر/ أيلول بأن الولايات المتحدة تقف وراء مؤامرة الانقلاب، أحدهما مقال مزيف نسب لسفير أمريكي متقاعد يصور بطريركية القسطنطينية المسكونية- المنافس الديني للكنيسة الروسية- في شكل حصان طروادة المخابرات الأمريكية التي ساعدت في ترتيب الانقلاب. أما المادة الثانية فكانت مقالا مزيفا نسب إلى زبيغنيو بريجنيسكي يلوم فيه المخابرات المركزية الأمريكية على "الخطأ الفادح" الذي ارتكبته بتنظيم الانقلاب الساقط في تركيا.
ثمة عنصر رئيس في هذا التقارب التركي الروسي الجديد، وهو الازدراء المشترك لأتباع رجل الدين فتح الله غولن، رئيس الطائفة الدينية المسؤول عن تدبير محاولة الانقلاب. يعتقد الرئيس رجب طيب أردوغان وأنصاره أن القوى الغربية لا تستوعب، بسذاجة أو بحقد، التهديد الذي يشكلة أتباع غولن لتركيا. في المقابل فقد عدت روسيا منذ فترة طويلة جماعة غولن جماعة خطيرة، وأغلقت جميع مدارسها، وحظرت الحركة الدينية الروسية التي تتوافق مع جماعة غولن. وهذا هو السبب في أن أنقرة وموسكو وحتى منذ عام 2014 على اتفاق كامل حول أتباع غولن. أما الآن فإن الروس فقط هم من يرون أنه ينبغي لأنقرة أن ترى القوى التي تقف وراء غولن، مثلما فعل دوغين في اجتماع موسكو.
أعطى العداء المشترك لتنظيم غولن البلدين فرصة لشرح أبعاد الخلاف الرئيس بينهما الذي اندلع في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 ، عندما أسقط الطيران التركي مقاتلة روسية على الحدود السورية. فتحت هذه الحادثة الحرب الباردة بين أنقرة وموسكو، ولم تنته إلا في شهر يونيو/حزيران الماضي عندما قدم أردوغان اعتذارا للروس عن إسقاط الطائرة.
والآن ما هو المغزى من هذا التقارب التركي الروسي الجديد، وهو أمر مهم يدفع قيادة حكومة حزب العدالة والتنمية إلى تجنب إصدار رد فعل على عمليات روسيا العسكرية في سوريا بما في ذلك قصف حلب؟
من ناحية كان من الحكمة بالنسبة لتركيا أن تنهي الحرب الباردة مع روسيا التي كان لها كلفة باهظة على الاقتصاد التركي، وأصابت السياحة والتجارة. كما أن روسيا لاعب سياسي قوي لا في الشرق الأوسط فحسب بل في منطقة البلقان أيضا، وسوف يكون الحوار بين أنقرة وموسكو في صالح البلدين. ومن ناحية أخرى فإن تفضيل روسيا كبديل للغرب سيكون خيارا استراتيجيا كارثيا، لن تكون له تكاليف اقتصادية وأمنية كبيرة فقط، بل إن هذا من شأنه أن يضع تركيا في مصاف الدول الاستبدادية.
تقول مصادر المونيتور في أنقرة إنه لا توجد في الواقع أي نية في هذه المرحلة لقطيعة كبيرة مع الغرب، مثل الانسحاب من حلف شمال الأطلسي. وتقول هذه المصادر إنه على الرغم من شهر العسل الحالي بين البلدين، فإن أنقرة رأت كيف تتصرف موسكو عندما تستشعر أزمة. كما تجدر الإشارة إلى أن نعمان كورتولموش، المتحدث باسم الحكومة التركية، رفض ادعاءات إلكسندر دوغين بأن روسيا ساعدت في منع الانقلاب في تركيا.
ومع ذلك فإن قضية تنظيم غولن قضية خطيرة للغاية، ويمكن أن تستمر في خلق مزيد من الاستياء بين الأتراك من الغرب، ولاسيما الولايات المتحدة، في الوقت الذي يتعمق فيه التقارب الأيديولوجي بين تركيا وروسيا. تتشابه شخصية بوتين واردوغان ورؤيتهما، وكان بوتين الذي سيزور تركيا الأسبوع المقبل، أول زعيم عالمي يتصل بأردوغان بعد الانقلاب، وهي إشارة تعني الكثير نفسيا لأردوغان. ولهذا السبب ينبغي للعواصم الغربية وخاصة واشنطون أن تكون على وعي بالجهد الذي تبذله موسكو لجذب تركيا بعيدا عن الغرب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس