ترك برس
اعتبر الأكاديمي والباحث المصري في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، بشير عبد الفتاح، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يريد أن يفوت فرصة استثمار الجفاء التركي مع واشنطن والناتو والاتحاد الأوروبي.
ورأى الكاتب المصري أن بوتين يريد توثيق التقارب الاستراتيجي مع أنقرة، حليفة الغرب وعضو الناتو، توطئة لتوصيل رسالة إلى العواصم الغربية، مفادها أنه قادر، على رغم العقوبات والحصار، على اختراق المعسكر الغربي والتغلغل إلى عقر داره.
وفي مقال له بصحيفة "الحياة"، قال عبد الفتاح إن أنقرة ترى في تقاربها الاستراتيجي الاضطراري مع موسكو، تعويضاً اقتصادياً عن انحسار التجارة الإقليمية نتيجة الانتفاضات الشعبية العربية، وتدهور السياحة على خلفية الركود الاقتصادي العالمي. ويرتكز هذا التعويض على تبادل تجاري متنام، وتدفق سياحي روسي متعاظم، وتنسيق عالي المستوى في مجال أمن الطاقة ومشاريعه اللوجيستية العابرة للقارات.
وهو تعويض يعتبره أردوغان في مثابة أداة ضغط استراتيجي على حلفائه الغربيين لحملهم على مراجعة حساباتهم إزاء أنقرة، عساهم يقلعون عن سياسة الاستعلاء عليها والتجاهل الاستراتيجي لها، ويتخلون عن عدم اكتراثهم بالمصالح التركية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وأشار الكاتب المصري إلى أنه فور وقوع حادث اغتيال السفير الروسي لدى أنقرة، بادر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمهاتفة نظيره الروسي فلاديمير بوتين، معزياً، كما أبدى موافقته على مشاركة روسيا في التحقيقات الرامية إلى كشف ملابسات الحادث. وأعلنت الحكومة التركية إطلاق اسم السفير الروسي القتيل على الشارع الذي تقع فيه السفارة الروسية في أنقرة.
وفي موازاة ذلك، اعتبر بوتين الحادث عملاً إرهابياً، هدفه النيل من حالة التقارب الاستراتيجي المتنامية بين موسكو وأنقرة. وفي اليوم التالي للحادث، انطلق في موسكو اجتماع وزراء دفاع وخارجية كل من روسيا وتركيا وإيران للبحث في المسألة السورية، واستهله وزير الخارجية التركي بتعزية نظيره الروسي، الذي أكد أن اغتيال سفير بلاده لدى أنقرة لن يزيد مساعي التفاهم والحوار والتنسيق بين موسكو وأنقرة إلا زخماً وقوة وصلابة.
وتابع عبد الفتاح: خلال الاجتماع نفسه، وافق وزير الخارجية التركي مولود أوغلو، على وثيقة موسكو التي تعتمد المقاربة الروسية للتعاطي مع الأزمة السورية عبر وقف إطلاق النار والتركيز على محاربة الإرهاب ممثلاً في تنظيمي "داعش" و"فتح الشام"، بالتوازي مع إطلاق عملية تسوية سياسية قد لا تستند بالضرورة إلى المرجعيات التقليدية كجنيف - 1.
كما جنحت أنقرة لتبني الطرح الروسي المنطلق من قاعدة اعتماد مبدأ محاربة الإرهاب في سورية كأولوية ملحّة بدلاً من إسقاط نظام الأسد. الأمر الذي قد يفرض على تركيا العمل من أجل إقناع المعارضة السورية بالتخلّي عن مطلب إسقاط نظام الأسد والعدول عن استخدام الخيار العسكري لبلوغ ذلك المقصد، ثم الانخراط معه في عملية تفاوضية ربما تفضي إلى إتاحة الفرصة أمام المعارضة السياسية "المعتدلة" للمشاركة في إدارة البلاد، على أن يمضي ذلك المسار بالتوازي مع آخر ينشد ترسيخ مبدأ الحفاظ على وحدة الدولة السورية.
وهكذا اختار الجانبان، الروسي والتركي، تجاوز تلك المحنة التي جاءت بعد محنة أخرى تمثلت في إسقاط سلاح الجو التركي قاذفة روسية من طراز سوخوي - 2، ليواصلا معاً التصدي للحصار الغربي، والتنسيق في شأن المسألة السورية، الذي بات بالنسبة إلى الجانبين احتياجاً اضطرارياً واستراتيجياً، في ظل الأوضاع الإقليمية القلقة والظروف الدولية الغائمة.
وبحسب الكاتب المصري، تنظر موسكو إلى أنقرة باعتبارها رئة تنفّس اقتصادي وطوق نجاة استراتيجياً لتقليص التداعيات السلبية والموجعة للعقوبات الغربية الطاحنة والمتجددة التي تحاصر الروس منذ صيف 2014 بجريرة الأزمة الأوكرانية، لا سيما بعدما رفضت تركيا أن تشارك مع الدول الغربية في فرضها أو تطبيقها على روسيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!