دينا رمضان - خاص ترك برس
ضجت وسائل الإعلام خلال الايام الماضية بما يسمى "خطة امريكا للتسوية في سورية" والتي تتلخص بأربع مراحل رئيسية، تبدأ أولا بالقضاء على داعش ، ثم نشر الاستقرار في سورية عن طريق عقد الهدن بإشراف الاسد، يليها المرحلة الثالثة وهي "إزاحة الاسد"، وتختتم بالمرحلة النهائية ألا وهي تنظيم الحياة في سورية، وكأن أمريكا بذلك تلخص المثل القائل "وفسر الماء بعد الجهد بالماء"!
لَعِبُ دور رجل المبيعات المتحذلق المتذاكي الذي تحاول الادارة الامريكية أن تتلبسه بهذه الخطة يكاد يثير الغثيان، فهي باختصار تسوق لمطالب روسيا وتسعى لتحقيق أهداف الاخيرة في سورية مع محاولة إظهار العكس!
فالمطالبة بالقضاء على داعش أولا يعني وضع الارهاب على قائمة أجندة المفاوضات، تماما كما يطالب النظام، والذي يعني ضمنا التعاون مع النظام وحلفائه للقضاء على كافة التنظيمات الارهابية في سورية تحت عنوان القضاء على داعش، وكما هو معروف فإن المعارضة المسلحة تشكل جزءا اساسيا من تلك التنظيمات حسب تعريف النظام وحلفائه، أي ان المرحلة الاولى تعني بكلمات اخرى القضاء النهائي على كافة أشكال التنظيمات التي تحارب النظام، أو ربما إنهاكها في أحسن الاحوال !
أما المرحلة الثانية -والمصاغة بكلمات أمريكا المعسولة والبراقة كالعادة- فهي "نشر الاستقرار"، طبعا بإشراف النظام والتعاون معه، لا بل واتباع طريقته في صياغة الهدن التي عرفناها ورأينا نتائجها من تهجير المدنيين المغلوبين على أمرهم، والمستضعفين في الارض، وتحقيق أهدافه بالوصول الى التغيير الديمغرافي المنشود، بحيث يتم من خلال هاتين المرحلتين (الاولى والثانية ) القضاء على الثورة فعليا، وربما التقسيم لاحقا.
وبعدما ذٌكر أعلاه من مراحل يأتي وقت تطبيق المرحلة الثالثة حسب الخطة الامريكية، ألا وهي "إزاحة الاسد"! مع غياب واضح لأجوبة أسئلة هامة من مثل: كم ستستغرق مرحلة "القضاء على داعش"؟ وماهي المدة الزمنية اللازمة للوصول الى مرحلة "إزاحة الاسد"؟ أو حتى لصالح مَن ستتم تلك الازاحة؟ هذا ان حصلت أصلا! وهل من المتوقع ان يتبقى أحد من المعارضة حتى يستلم أمور البلاد عندها؟ كل ذلك يُعتبر مسائل غيبية لا يعلمها إلا الله! أي ان أمريكا تحاول تطبيق قصة جحا وتتبع حكمته:" إما ان يموت الملك، أو أموت أنا، أو يموت بشار الاسد!"
المشكلة هنا ان امريكا -ومن ورائها الغرب- لا تفهم، اولا تريد ان تفهم طبيعة ما يحصل في سورية، وهي تنظر إليه من منظارها المادي الضيق، وضمن إطار مصالحها وحسب، وهي لا تعلم ان هذه الطريقة الامريكية في تسويق منتجاتها لم تكن لتفلح مع شعب دفع كل هذه الاثمان في سبيل الحصول على حريته وكرامته!
إن كانت أمريكا صادقة فعلا في محاولتها لإيجاد تسوية في سورية فعليها إعادة ترتيب مراحل خطتها المطروحة، بحيث تتضمن أولا "إسقاط النظام"، وليس فقط "إزاحة الاسد"، فتركيبة النظام الحالية تستلزم إزاحة الصف الاول من الضباط ورؤساء الاجهزة والفروع الامنية الذين شاركوا الاسد بدمار سورية، وإن لم تتم إعادة الهيكلة كاملة للنظام فستبقى فلوله ودعائمه التي ستؤدي إلى زعزعة أي نظام بديل او استقرار مأمول في المنطقة.
ان الهدف الذي يمكن ان تتوحد عليه فصائل المعارضة العسكرية والسياسية هو إسقاط النظام، وليس القضاء على أي تنظيم أو منظومة أخرى، وان لم يتم جمعها تحت مظلة هذا الهدف فلن يكون هناك استقرار، ولن يتم القضاء على داعش ولا أخواتها ولا بنات عمها، والتمكين هنا يكمن في الاصرار على تفعيل قرارات مجلس الامن السابقة، وخطط الانتقال السياسي المتعددة المقدمة من قبل المعارضة، والتي كان آخرها واشملها "مبادرة رياض سيف"، والتي تتضمن تشكيل وحدة عسكرية أو لنقل جيش وطني موحد، ولامانع من ان تكون مهمة هذا الجيش الاولى تخليص سورية من داعش وأمثالها من ميليشيات غزتها، فهذا النوع من المجموعات الارهابية لم ينشأ إلا بسبب الفراغ الامني الذي وفره الاسد، والذي سمح لها بالتكاثر والانتشار بدون أي رادع، وهذا الفراغ لن يتم ملؤه إلا بوجود جهة وطنية يُجمع الشعب عليها ويدعمها، ومحال ان يتحقق هذا بوجود النظام الحالي، اذا فالخطوة الاولى للقضاء على داعش هو معالجة السبب الذي ادى لنشوئها وليس معالجة العوارض.
وإسقاط النظام يمكن ان يتم عن طريق اتفاق سياسي يؤدي الى رحيله وزمرته من قيادات الصف الاول ضمن صفقة محددة، وفي حال الرفض هناك عدد من الخيارات الاخرى، والتي تبدأ بغارة جوية تطيح بالاسد، كما حصل مع القذافي، والكل يعلم أن تحديد مكانه وضربه عملية سهلة، والكل يعلم ايضا ان روسيا لن تستطيع فعل أي شيء تجاه ذلك، فهي لم تفعل عند ضرب مطار الشعيرات، ولم تفعل سابقا عند القضاء على القذافي، بل اكتفت بالبعبعة واصدار التصريحات الكلامية التي لا تقدم ولا تؤخر.
وطبعا فإن اللازم لتحقيق هذه المرحلة الاولى هو الضغط الحقيقي على حلفاء النظام، ووسائل الضغط موجودة وبكثرة، ولكنها يجب ان تبدأ بوجود ارادة سياسية فعلية وليس مجرد ادعاءات، وسياسة العصى والجزرة ستمثل خيارا مناسبا جدا، فبالنسبة لروسيا فإن العِصيَ التي ممكن ان تُرفع في وجهها كثيرة، فتهميشها دوليا، تهديدها بالعزل الدبلوماسي، فرض العقوبات الاقتصادية الجماعية عليها، تحريك موضوع اوكرانيا وجزيرة القرم، ايقاف كافة اشكال التعاون الاقتصادي والعسكري معها من قبل دول الخليج، والتهديد باستبداله بتعاون خليجي-أمريكي وخاصة بعد عودة المياه الى مجاريها مع الإدارة الامريكية الجديدة بقيادة ترامب ... كلها أوراق ضغط متوفرة للمجتمع الدولي إن هو أراد الضغط الحقيقي على روسيا. وأما الجَزْرُ المتوفر -إن هي استجابت- فكثير أيضا، ويمكن ان يقدم لها في أحلى الاطباق واشهاها، وقد يصل الى حد منحها شرف القضاء على الاسد باستخدام ضباطها المتواجدين حوله، أو تدبير العملية بالاتفاق مع ضباط سوريين من داخل دائرته مما قد يعطيهم الشفاعة ليكونوا جزءا من المرحلة القادمة.
وأما عن ايران فسيصبح اخراجها من سورية تحصيلا حاصلا، فهي تحتمي بالغطاء الروسي الدولي، وان تم القضاء على الاسد فلن يبقى لها أي حليف في الداخل، بل ستصبح ميليشياتها هناك محاصرة بشكل كامل، وستصبح هي محاصرة بالعقوبات الاقتصادية او العزل الدولي، مع انتفاء كامل لأي نوع من الدعم الخارجي، أي إما الخروج مقابل بعض الارباح أو البقاء مقابل الكثير من الخسائر والهزيمة المحققة.
على الاطراف الدولية التي تدعي المطالبة بتحقيق الامان لشعوبها ان تسعى بشكل حقيقي لاستقرار المنطقة، وعليها لتحقيق ذلك ان تعيد النظر وتفكر مليا بحلول جدية حقيقية للقضاء على سبب المشكلة الرئيسي وتتوقف عن ملاحقة النتائج.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس