ترك برس
رأى الباحث والكاتب العراقي المتخصص في العلاقات الإستراتيجية العربية التركية، ربيع الحافظ، أن القاسم المشترك بين تركيا ومحيطها هو اليوم أشمل من القاسم المشترك التاريخي، لكونه يغطي قناعات مطلق رقعة المجتمع باختلاف مكوناتها؛ فهو قاسم بين البقاء والفناء: بقاء يمثله نظام الدولة المركزية الحامي للمجتمع، وفناء يمثله النظام الآخر الذي يفكك الدولة ويعطل الحياة المدنية.
وفي تقرير نشرته شبكة الجزيرة القطرية، قال الحافظ: "مثّل تصدي الشعب التركي -بمختلف مشاربه الثقافية- للانقلاب بنزوله واعتصامه في الشوارع أسابيع، ورفضه الانصراف قبل الاطمئنان على زوال الخطر الذي هدد الإصلاحات السياسية والخدمية والقضائية والعسكرية، التي أنجزتها حكومة يتفق معها ويختلف؛ ظاهرةً جديدةً في سلوك الشعوب مع الأنظمة السياسية".
وأوضح أن هذا التصدي سجل أيضًا نقاطاً ارتكازية: الدفاع عن كيان الدولة، الدفاع عن نظام سياسي كأفضل من يدير كيان الدولة (وليس مصادقة بالضرورة على رؤيته الفكرية)، وسجل موقفه من ظاهرة منظومات فكرية باتت تمثل جيلاً جديداً من الأقليات تتغول على اختصاصات الدولة وتقوض استقرارها، وشكل كيان الدولة بنمط الحكومة المركزية هو محور سلوك الشعب.
وأشار الباحث العراقي إلى أن هذه النقاط هي المواضع التي تلقت فيها المجتمعات العربية في محيط تركيا الضربات التي انعكست على أمنها القومي إبان الربيع العربي ولا تزال، أما المجتمعات نفسها فقد انهار فيها نظام الحكومة المركزية بالكامل وانتقلت إلى النظام الآخر (العراق، سوريا، لبنان، اليمن).
وأضاف: "أي أن القاسم المشترك بين تركيا ومحيطها هو اليوم أشمل من القاسم المشترك التاريخي، لكونه يغطي قناعات مطلق رقعة المجتمع باختلاف مكوناتها؛ فهو قاسم بين البقاء والفناء: بقاء يمثله نظام الدولة المركزية الحامي للمجتمع، وفناء يمثله النظام الآخر الذي يفكك الدولة ويعطل الحياة المدنية".
واعتبر أنه "إذا كان الكفاح من أجل البقاء هو أقوى الوشائج بين الإنسان والإنسان على الإطلاق؛ فإن ما جرى في ميادين تركيا كان مشهداً لمعركة البقاء والفناء التي تجتاح المنطقة، وهو ما يمثل مفهوماً لمواطنة إقليمية جديدة لا تقوم فقط على المقومات التقليدية كالقومية أو الدين، التي تشمل مساحات من المجتمع الإقليمي دون أخرى، وإنما على مفهوم تتشبث به رقعة المجتمع بأكملها..
وهو طور يعود إلى المنطقة من جديد ويكتسب ثقة متنامية بين مكونات مجتمعاتها، بعد مرور أكثر من قرنين على دخولها مسلسل الانحطاط السياسي، وبدء المشاريع الدولية لتفكيكها ككتلة سياسية واجتماعية. والأهم في هذا الطور أنه قناعة جماهيرية عفوية وليس تلقيناً سياسياً، وفق رأي الباحث العراقي.
وأفاد الحافظ أن السلوك الجديد سنّ سنة سيئة من منظار مؤسسات صناعة الانقلابات في العالم، ويشكل بذلك مفهوماً أمنياً باتجاهين: مفهوم الدولة لدى المجتمع، ومفهوم الدفاع عن الدولة، واتجاه ثالث هو علاقة هذا السلوك بمحيط مسرح الحدث، فهذه العلاقة ترمز إلى شيء يستفيد الجميع من وجوده ويخسرون جميعهم بفقده، ويدافعون عنه على رقعتهم الإقليمية مثل دفاع المجتمع التركي عنه، ألا وهو الدولة.
وبعبارة أخرى؛ هذه العلاقة هي مجتمع مدني إقليمي يتشكل في المنطقة، وهو مجتمع حاضر في الكتل السياسية الكبرى، ويمثل صمام الأمان لاستقرارها السياسي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!