سمير صالحة - المدن
العلاقات داخل المثلث العربي الايراني التركي واحدة من اهم الحالات التي تستحق المتابعة خصوصا امام النقلات والتغيرات اليومية في المواقف والسياسات حيال التطورات الاقليمية المتلاحقة .
القوى الثلاث هذه فرقتها المصالح حينا وقربتها حينا اخر . مسار العلاقات وتوجهها كان ايضا تحت رحمة مصالح الاطراف الاخرى وطبيعة التحالفات والاصطفافات الاقليمية والدولية لناحية العلاقة مع الولايات المتحدة الاميركية واوروبا وروسيا مثلا .
انقرة التي كانت تحمل طهران مسؤولية عرقلة عملية درع الفرات في الباب وحماية النظام السوري ودعمها المكشوف للقوات الكردية في شمال وشرق سوريا وتمويلها لحزب العمال الكردستاني في سنجار باتجاه تعطيل التقارب بين أربيل وأنقرة، والتي كانت تعتبر ان تمسك إيران بتحقيق هدفها النووي هو بين أهم الاسباب التي أدت للتقارب التركي العربي بهدف تحقيق التوازن الإقليمي، وزادت من حجم التقارب التركي الخليجي، نحو التعاون المشترك للتصدى لتوسع النفوذ الإيراني ، نجدها اليوم تقف في جبهة واحدة مع ايران في موضوع الاستفتاء على الانفصال الكردي في شمال العراق وتجلس جنبا الى جنب معها في لقاءات طهران وانطاليا وسوتشي الثلاثية مع روسيا .
قبل أشهر كنا نقول ان أي تحول استراتيجي إقليمي تركي نحو موسكو قد يعترض عليه الغرب، لكن أي تحول تركي استراتيجي نحو طهران وسط هذه الظروف التي تمر بها المنطقة، لن يقلق شركاء أنقرة الغربيين فقط، بل الدول العربية والإسلامية التي نسّقت معها تحت سقف منظمة العالم الإسلامي في اتخاذ مواقف صارمة حيال طهران في الأعوام الأخيرة. وان أي تحول في سياسة تركيا الاقليمية نحو ايران وموسكو سينسف علاقات انقرة بالغرب والكثير من الدول العربية والاسلامية التي نسّقت مع انقرة تحت سقف منظمة العالم الإسلامي في اتخاذ مواقف صارمة حيال طهران وسياساتها الاقليمية. لكننا اليوم نردد أن انقرة التي كانت تعطي الاولوية للمجموعة العربية في التعاون والتنسيق الاقليمي باتت تتلفت نحو ايران اكثر فأكثر .
اما الذي دفع تركيا وايران لمراجعة مواقفهما والتخلي عن اسلوب التصعيد في الاشهر الاخيرة ؟
هو حتما شعورهما بالتواجد وسط مستنقع الرمال المتحركة التي تستهدفهما وتهددهما مباشرة بقرار اميركي واضح خصوصا مع ادارة ترامب الجديدة والعروض الروسية المغرية المقدمة لهما في المنطقة في اطار تفاهمات ثلاثية استراتيجية البعد . اندلاع الازمة الخليجية ادى الى قلب الحسابات والمعادلات رأسا على عقب وكانت بداية تنسيق جديد تركي ايراني للرد على استهداف قطر بهذا الشكل كون طهران وانقرة رات فيه استهدافاً لنفوذهما ومصالحهما الخليجية اولا ومحاولة اميركية واضحة لاضعافهما واخراجهما من المشهد الخليجي ثانيا .
زيارة رئيس الاركان الايراني محمد باقري في منتصف اب / اغسطس المنصرم لتركيا هي أيضا كانت مفصلا اساسيا في التحول التركي نحو ايران حيث إتضحت الصورة لناحية أن أنقرة لم تعد تريد توتير علاقاتها بإيران أكثر من ذلك وهي تريد مراجعة سياستها الإيرانية تماما بعيدا عن المواقف السابقة التي كانت القيادات السياسية التركية تتحدث فيها دائما عن تطابق وجهات النظر التركية مع العواصم الإسلامية والغربية في موضوع إيران و" التصدي لسياساتها التصعيدية في المنطقة " .
معادلة لعب ورقة التوتر الإيراني العربي بدأت تتراجع وتفقد مفعولها لصالح تركيا كما رأينا في الأزمة الخليجية مؤخرا حيث كانت القيادة السياسية التركية تردد أن أمن الخليج هو امتداد لأمن تركيا الإقليمي، فرأينا وزير الخارجية الإيراني في العاصمة التركية بعد ساعات على اندلاع الأزمة مع قطر .
بين السيناريوهات التي يعطيها الاتراك الاولوية في سياساتهم الاقليمية اليوم احتمال تزايد التوتر العربي الايراني وتحوله الى مواجهات امنية وعسكرية مباشرة وتحديد الموقف التركي الواجب تبنيه حيال تدهور من هذا النوع . لكن ما يتجنب الاتراك والعرب الاقتراب منه كسيناريو محتمل هو تراجع العلاقات التركية العربية نفسها وكيف ستكون ردود الفعل في انقرة اذا ما قررت مجموعة من الدول العربية التحرك الاقليمي ضد تركيا ومعاملتها بالمثل كما تفعل مع ايران في هذه الاونة ؟
ما الذي ستفعله تركيا اذا ما قيل لنا أن مجموعة من العواصم العربية وبسبب " التدخلات والاستفزازات التركية " في المنطقة قررت التوجه إلى مجلس الأمن الدولي كخيار بديل " لاحتواء نزعة تركية " لتخطي خطوط حمراء استراتيجية ثابتة منذ عقود ؟
يقول وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد الخليفة على هامش اجتماعات القمة العربية الاخيرة على مستوى وزراء الخارجية " نحن لا نملك أي آلية أخرى للدفاع عن أمننا إلا آلية العمل العربي المشترك، لكن هذه الآلية يبدو أنها غير قادرة على تحقيق ذلك " المعني هنا هو ايران طبعا لكن التعريفات والمواصفات قد تنطبق على تركيا اذا ما اخذنا بالاعتبار حجم تراجع العلاقات التركية المصرية والتركية مع مجموعة حصار قطر وتحركها على الأرض لتضييق الخناق على تركيا بقدر ما تبذل الجهود ضد ايران أيضا .
السعودية هي التي طلبت عقد الاجتماع العربي احتجاجاً على " ما تقوم به ايران في المنطقة العربية من أعمال تقوض الامن والسلم "، والدبلوماسي المصري أبوالغيط هو من اعرب عن أمله في أن "يتغير النهج الإيراني وأن تصل الرسالة إلى الأخوة في إيران والتي مفادها أن هناك غضباً وضيقاً عربياً " . فما الذي ستفعله انقرة اذا ما قيل لها كلام مشابه بسبب مواقفها وسياساتها العربية والخليجية تحديدا وقررت رفع مستوى التنسيق مع ايران كما يجري اليوم في سوريا والعراق والازمة الخليجية ؟
فقط عملية تغيير الاسماء والتواريخ تدفعنا لقراءة النص المنشور اليوم في الاعلام العربي حيال ايران وكانه نفسه هو الذي سيقال لتركيا بعد اشهر مثلا : يكفي أن يفتح وزراء الخارجية العرب خريطة العالم الذي ينتمون إليه ليتأكدوا أن اجتماعهم الطارئ في القاهرة ، كان مبرراً وضرورياً. فالحديث عن «التدخلات التركية » ليس تهمة عابرة تفتقر إلى الأدلة. والإصرار على مناقشتها لا يدخل أبداً في باب التحرش أو التصعيد.
ما يقال لنا اليوم هو ان " تحالف مصر واليونان وقبرص اليونانية سيحاصر النفوذ التركي في شرق المتوسط " وأن القاهرة " ستسعى لاستكشاف العناصر اليونانية المقلقة لتركيا في الملف القبرصي، وأردوغان وضع نفسه في خلاف مع دول مركزية في المنطقة، و" منذ الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في تموز / يوليو 2013، وإصرار أنقرة على دعم التنظيم، أخذت مصر على عاتقها تقليص النفوذ التركي في المنطقة وتقييد تحركات تركيا الاستراتيجية والاقتصادية " .
كنا نقول قبل اشهر ان وصول العلاقات التركية-الإيرانية الى طريق مسدود سيدفع السعودية لمطالبة تركيا بتبني الموقف السعودي باعتبار حزب الله اللبناني منظمة إرهابية وان أنقرة تقف علناً إلى جانب السعودية في أزمتها الحالية مع إيران، وهي تشعر أن حلفاءها في الغرب تركوها وحيدة في مسألة المنطقة الآمنة في سوريا والحرب على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي هناك ، أما اليوم فنحن نقول أن انقرة لم تفهم بعد اسباب تواجد وزير الدولة السعودي ثامر السبهان في الرقة لتهنئة الاكراد هناك على انتصاراتهم ؟
هل ستقبل بعض العواصم العربية اليوم مطلب وضع إيران وتركيا في سلة واحدة، لناحية مسألة العلاقات العربية مع الدولتين ؟ نعم بكل بساطة .
من غير المستبعد ان نرى في الفترة المقبلة موقفاً عربياً مشابهاً يعتمد حيال تركيا على النحو المعلن ضد ايران في هذه الاونة . التصعيد واحتمال تحوله الى مواجهة مباشرة بين تركيا والعديد من العواصم الخليجية مسألة وقت فقط فالاطراف ما زالت تحشد وتجيش قواها وتعد الاوراق التي ستستخدمها في الاحتراب .
بعض العرب خسر قوة التوازن التركي مع ايران بسبب مواقفهم من انقرة فمن سيعوضها لهم ؟
كشف وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس أن تل أبيب تقيم علاقات مع دول عربية إسلامية "معتدلة" تساعد على كبح جماح ايران . بعض العرب مع الأسف يراهن أيضا على القوة الاميركية الجديدة الممثلة بجاريد كوشنر صهر ترامب والمفوض الاميركي في الحرب على داعش ماكغورك ولا يعبأ بخسارة تركيا . هذا ما يعد له بعض العواصم العربية في علاقاتهم مع انقرة للمرحلة المقبلة بعد الاطاحة بايران طبعا .
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس