فاطمة أوزكان – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس
وتستمر وسائل الإعلام التي أعلنت مؤخراً عن سيطرة قوات النظام السوري على الغوطة بأكملها بعرض مشاهد العنف الذي يمارسه نظام الأسد في المنطقة، وحسب ما شاهدناه من خلال الصور المعروضة يمكن القول إن الغوطة الشرقية قد تحوّلت إلى مدينة أشباح خالية من أبسط مقومات الحياة، وسط أجواء رمادية تعمّ المنطقة بأكملها، إضافةً إلى المنازل المهدومة والهواء الملوّث بالغازات الكيميائية التي استخدمها نظام الأسد في هجماته الهمجية.
خلال الأشهر الأخيرة تعرضت الغوطة الشرقية لغارات عديدة من قبل قوات النظام السوري، والأسد ينفذ هجمات عسكرية في منطقة الغوطة المحاصرة منذ خمس سنوات، وذلك على الرغم من القرار الصادر عن قمة أستانة والذي ينص على أن الغوطة الشرقية أصبحت ضمن المناطق التي تحضع لقرار وقف إطلاق النار، في حين أن روسيا لم تتمكّن من إيقاف الأسد عن تنفيذ هذه الهجمات، فيما لم تظهر أمريكا وفرنسا وبريطانيا أي اهتمام تجاه المسألة، سوى ضربات لا تسمن ولا تغني من جوع.
شهدنا في نهاية شهر يناير/كانون الثاني على مقتل أكثر من 300 شخص على أيدي قوات النظام، في حين أن عدد القتلى خلال الأشهر الثلاث الأخيرة قد تجاوز الألف، إذ يستخدم نظام الأسد المجرم قذائف الهاون والبراميل والقنابل الفراغية والعنقودية خلال هجماته، وذلك فضلاً عن استخدام الغازات الكيميائية التي تتسبب في تلوّث الهواء وبالتالي تسمّم شعب المنطقة، وتشير البحوث التي جرت في الساحة السورية إلى أن قوات الأسد قد استخدمت الغازات الكيميائية 46 مرةً منذ بداية الحرب السورية.
لكن أدت الهجمة الكيميائية التي نفذتها قوات النظام مؤخراً في الغوطة والتي أسفرت عن مقتل أكثر من مئة شخصا بما فيهم الأطفال إلى خلق أجواء حساسية في أمريكا وفرنسا وبريطانيا التي لم تظهر أي اهتمام للمجازر المرتكبة من قبل نظام الأسد خلال السنوات السابقة.
أدت تصريحات ترامب الأخيرة عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" -والتي وصف خلالها الأسد بكلمة "حيوان" ووجه لنظيره الروسي بوتين رسالة "يجب على روسيا أن تستعد لمواجهة القذائق الأمريكية"- إلى إثارة الفوضى في العالم، وكذلك أعلنت فرنسا وبريطانيا عن دعمها الكامل للرئيس الأمريكي ترامب تجاه أي تدخّل عسكري سيبارد به ضمن إطار الحرب السورية، وذلك يدفعنا للتساؤل عن سبب عدم ميل فرنسا وبريطانيا لتهدئة التوتّر المتصاعد بين الأطراف.
في حين أن روسيا تستمر في رفض المزاعم المشيرة إلى استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية، وتزعم أن المشاهد المعروضة عبر وسائل الإعلام غير حقيقية ولا تشير إلى واقع المنطقة، وتتطالب الأمم المتحدة بإرسال هيئة للتدقيق في تفاصيل هذه المسألة.
هذه هي المرة الأولى التي يتحدّث فيها العالم عن احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة منذ نهاية حرب النجوم البادرة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي في ظل حكم الرئيس الأمريكي "رونالد ريغان"، في حين يمكننا رؤية عودة ترامب للهدوء مع مرور الوقت، وبالتالي يبدو أن أمريكا ستلجأ إلى تخفيف التوتّر بشكل تدريجي، وفي هذا السياق لا يوجد إلا عدد قليل من التوقّعات حول النقطة الأخيرة التي قد تصل إليها المسألة، لكن إن السبب في وصول هذه المسألة إلى هذه المرحلة هو واضح للعيان.
خلال الأسبوع السابق اجتمع أردوغان وبوتين وروحاني في ولاية اسطنبول كممثلين للدول الثلاث الأعضاء في مرحلة أستانة من أجل إيجاد حل لإنهاء الحرب السورية، واتخذوا بعض القرارات الهامة في هذا الصدد، كما أن اجتماعات جنيف التي اعتمدت على شعار "الأصدقاء يبحثون عن الحل" قد باءت بالفشل، وبالنسبة إلى أمريكا فإن الغرب قد نُبذ من طاولة المفاوضات وباءت مخططاته في الساحة بالفشل، في حين استطاعت دول المنطقة زيادة قوتها وإرادتها من خلال اتخاذ خطوات صحيحة ضمن هذا الإطار.
كما أن تركيا قد أعطت الأولوية لأمان ومصالح الدولة التركية، ولذلك قامت بتدمير إقليم بي كي كي الذي حاولت أمريكا تأسيسه في الشمال السوري من أجل السيطرة على حقول النفط الموجودة في المنطقة، وكذلك قامت بتحسين علاقاتها مع روسيا من خلال شراء صواريخ S400 من روسيا إضافةً إلى افتتاح محطة الطاقة النووية الذي تمّ بحضور أردوغان ونظيره الروسي بوتين، ولهذه الأسباب قد تغيّر مجرى الأحداث وبالتالي لجأ ترامب إلى محاولة إفساد الاتفاقات التي تم الوصول إليها وكذلك إثارة الفوضى في الساحة.
إذا ما الذي يتوجّب على تركيا فعله في هذه الظروف؟ تركيا لا تغيّر موقفها وأولوياتها بناء على طبيعة الظروف، بل تظهر ثباتاً واضحاً في موقفها تجاه داعش وبي كي كي ونظام الأسد وإسرائيل والدول التي تدعم الإرهاب مثل أمريكا منذ بداية الحرب السورية، تركيا تتبّع سياسةً في غاية التسامح تجاه المدنيين والشدة تجاه الإرهابيين والذكاء والعقلانية تجاه الدول الأخرى، ومن ناحية أخرى تركيا ليس مضطرة للوقوف في صف معيّن إلى جانب أي قوة أخرى، بل يمكنها أن تكون وسيطاً بين القوى الأخرى، لكن الحقيقة الوحيدة في هذا الإطار هو أن الطرف التركي هو الطرف الصحيح.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس