رسول طوسون – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس
انتهت انتخابات 24 حزيران/يونيو الرئاسية ومع ذلك يستمر النزاع السياسي إلى الآن، إذ برزت النزعات التي تلي كل انتخاب كما هو معتاد خلال الأيام الأخيرة، وعادةً تكون النزاعات إما داخلية وإما مع الأحزاب الأخرى، الدخلية منها تتعلّق بمسائل هامةً تخصّ الكادر السياسي للحزب، لكنها قد تصبح ذات تأثير كبير بقدر النزاع المتشكّل مع الأحزاب الأخرى، وفي الوقت الحالي وصلت النزاعات الداخلية إلى مرحلة أن تكون محوراً لوسائل الإعلام.
خلال الأيام الأخيرة عرضت وسائل الإعلام تصريحات وبيانات هامة أدت إلى قلق وإثارة الشكوك لدى الرأي العام، وبذلك تخطّت مرحلة النزاع السياسي لتنعكس على الشعب أيضاً، وعلى سبيل المثال تصريح "أتيلّا كايا" مساعد زعيم حزب الحركة القومية بأنه يعارض تغيير الدستور التركي مبرراً ذلك بالدوافع القومية التي ترعرع عليها خلال حياته السياسية، إضافةً إلى رسالة وجّهها أحد المساجين من خلال زعيم حزب الحركة القومية "دولت باهتشيلي" مهدّداً الرئيس التركي أردوغان، ودفعت هذه الرسالة حزب العدالة والتنمية للقلق تجاه اتفاق الجمهور، لكن سرعان ما اتّخذ باهتشيلي خطوةً إيجابية في سبيل الحفاظ على سلامة علاقات حزبي الحركة القومية والعدالة والتنمية، وتتمثّل هذه الخطوة بدفع مساعده لقديم استقالته خلال مدة قصيرة، وعلى الرغم من ذلك يستمر سؤال "هل سيصبح حزب الحركة القومية شريكاً لحزب العدالة والتنمية في إدارة السلطة؟" في طرح نفسه إلى الآن.
بدايةً يجب لفت الانتباه إلى نقطة هامّة وهي أن السلطة خلال النظام الجديد أصبحت مرتبطة بصلاحيات الرئيس أردوغان بشكل مباشر، كما أن النظام الجديد يعتمد على فصل قوى الدولة عن بعضها، ولذلك فإن علاقة البرلمان في المسائل المتعلّقة بمجال تنفيذ القرارات أصبحت في أدنى مستوى يُسمح به، وهذا الأمر قد يؤدي إلى وجود أشخاص مجهولين ولا نعرف مسارهم السياسي ضمن كادر الحكومة، بتعبير آخر يمكن أن نرى أسماء جديدة في الوزارات خلال الفترة المقبلة لأن هذه المسألة تتعلّق بصلاحيات الرئيس بشكل مباشر، ويجب أن نستعدّ لهذا الواقع خلال أقصر مدة ممكنة.
إن صلاحيات المقام الرئاسي في النظام الجديد تدفعنا للتساؤل حول احتمال تعيين حزب الحركة القومية لبعض الأسماء التابعة له في الوزارات! لكن هذه المسألة تتعلّق بصلاحيات الرئيس أيضاً، وعند النظر إلى اتفاق الجمهور -الذي تمثّل بدعم حزب الحركة القومية لأردوغان- نجد أن هذه الاحتمال وارد جداً ولن يكون أمراً غريباً، والقرار في هذا الخصوص يعود للرئيس أردوغان.
لكن أتوقّع أن أردوغان قد يتردّد في هذا الخصوص بسبب تصريح "أتيلّا كايا" من أجل تفادي إثارة الشكوك وانتشار الإشاعات المشيرة إلى أن الرئيس أردوغان أصبح تحت تأثير نظام وصاية بادر عن حزب الحركة القومية.
لا يمكن تجاهل دعم حزب الحركة القومية لأردوغان، وخصوصاً مواقف الزعيم السياسي دولت باهتشيلي للحكومة في مسائل عديدة وأبرزها المتعلّقة بمكافحة الإرهاب، وكذلك لا يمكن التقليل من شأن دعم باهتشيلي للحكومة خلال استفتاء 16 نيسان/أبريل وانتخابات 24 حزيران/يونيو، لكن يجب أن لا تؤدي هذه المسألة إلى شعور الرئيس أردوغان بأن هذا الدعم هو السبب في نجاحه خلال الانتخابات لأن ذلك قد يؤدي إلى زيادة تأثير حزب الحركة القومية في النظام الجديد، وكذلك يجب أن لا ننسى أن أردوغان قد وصل لمنصب رئاسة الجمهورية بنسبة 52% في سنة 2014 عندما كان حزب الحركة القومية معارض له، وفي جميع الأحوال إن تدخّل باهتشيلي السريع ودفع مساعده لتقديم استقالته، وضّحت للجميع أنه يرفض انتشار الأفكار المشيرة إلى أن حزب الحركة القومية يبحث عن التأثير في السلطة وصلاحيات الرئيس بسبب الدعم الذي قدّمه للحكومة مسبقاً.
إن الأطروحة التي قدّمها اتفاق الجمهور للمجلس الأعلى للانتخابات توضّح أن هذا الاتفاق سيكون على المدى الطويل، ويستند بشكل رئيس على التعاون في العديد من المسائل الهامّة مثل توطيد النظام الرئاسي الجديد ومكافحة الإرهاب وإنشاء دولة تركية أقوى من السابق، وبطبيعة الحال ستتم مكافئة حزب الحركة القومية على هذا الدعم، لكن لا يمكن تصوّر هذه المكافئة على أنها شراكة في السلطة والصلاحيات، إنما أتوقّع أن تكون على شكل مطالب منطقية ومعقولة يقدّمها حزب الحركة القومية للحكومة للرئيس أردوغان، ويقوم الأخير بتقييم هذه المطالب والموافقة عليها بعد التدقيق في مضمونها ونتائجها.
في هذا السياق أعتقد أن هذه الامتيازات لن تقتصر على حزب الحركة القومية فقط، بل أؤمن بأن الرئيس أردوغان سيقيّم المطالب المعقولة المطروحة من قبل أحزاب المعارضة الأخرى أيضاً، ويوافق على تنفيذ المطالب التي تعود بالفائدة لمصالح تركيا حكومةً وشعباً.
بطبيعة الحال ستكون الأولوية لمطالب حزب الحركة القومية، ويجب الابتعاد عن تحويل هذه المسألة إلى أزمة سياسية، لأن الأولوية التي قد تُمنح لحزب الحركة القومية لا تعني أنه أصبح شريكاً في الإدارة والسلطة وعادت تركيا لنظام الوصاية، لأن أردوغان الذي يعرفه الجميع بثباته لن يوافق على عودة نظام الوصاية للبلاد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس