رسول طوسون – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس
توجّهت الأنظار نحو القمّة الثلاثية التي عُقدت أمس في العاصمة الإيرانية طهران بحضور الرئيس التركي أردوغان ونظيريه بوتين وروحاني، حيث كانت إدلب المحور الأهم في الاجتماع.
إيران دولة مجاورة لتركيا، ولا توجد أي مشكلة ملموسة بين البلدين منذ مدة طويلة، لكن على الدوام كانت هناك منافسة لم تعرف الانتهاء، بينما روسيا هي دولة لم تكن صديقة لتركيا في السابق، ولكن تطوّرت العلاقات بين الدولتين عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، وكذلك هناك بعض التموّجات في العلاقات بين أنقرة وموسكو منذ حادثة إسقاط الطائرة الروسية، وفي السياق ذاته عندما تتعلّق المسألة بسوريا تتظاهر روسيا وإيران بأنهما تتعاونان مع تركيا، لكن في الواقع روسيا وإيران تقف خلف جميع الأحداث التي تهدّد أمان الدولة التركية.
روسيا وإيران تدعم نظام الأسد الذي تسبّب بمقتل مئات الآلاف وتهجير الملايين من الشعب السوري، وعلى الرغم من ذلك تستمر تركيا في إجراء علاقات دبلوماسية ناجحة مع الدول المذكورة لتجد حلاً للقضية السورية، ومرحلة أستانة هي الحدث الأبرز في هذا الصدد، من المؤكد أن تركيا أصبحت تميل نحو روسيا بسبب مواقف أمريكا المخزية، ولكن روسيا استغلّت مبادرة تركيا لتحسين العلاقات في تنفيذ هجمة عسكرية على إدلب، في حين أن إيران لا تخفي رغبتها بالبقاء في الساحة السورية.
من جهة أخرى مهما كانت أمريكا خارج إطار مرحلة أستانة أو إطار الاجتماعات المعقودة في موسكو وإسطنبول إلا أنها تبقى في مركز المشاكل من خلال سياستها تجاه إسرائيل أو دول الخليج أو بي كي كي وحزب الاتحاد الديمقراطي، وكذلك يُعلم أن أمريكا تنفّذ عمليات سرية مع روسيا، وتأخذ دوراً هاماً في المعادلة لدرجة أنها تمكّنت من إبعاد الميليشيات الإيرانية عن حدود إسرائيل من خلال التعاون مع روسيا، وفضلاً عن ذلك أمريكا تُعتبر عاملاً ذا كلمة فعالة في اتخاذ القرارات التي تخص الشأن السوري، وفي هذه النقطة بالتحديد يجب التركيز على موقف روسيا، لأن الأخيرة تنتهج سياسةً معارضة لأمريكا من جهة، وتحاول التعاون مع أمريكا في الوقت نفسه، من جهة أخرى، وفي هذه الأثناء لم تُهمل روسيا التباهي بقوتها أمام أمريكا، ولذلك فتحت المجال أمام تركيا خلال عمليات درع الفرات وغصن الزيتون.
في ظل هذه العلاقات المُعقّدة يمكن القول إن القمّة الثلاثية بين تركيا وروسيا وإيران كانت مثالاً هاماً للاستراتيجيات الدبلوماسية، ولا يمكن القول إن هذا الثلاثي كان فاشلاً إلى الآن، على العكس تماماً أشرف على عدّة أعمال ناجحة، ولكن لم يتم الوصول إلى حل مشترك بين روسيا وإيران التي تدافع عن نظام الأسد وبين تركيا التي تزعم أن الأسد قد فقد شرعيته، ولذلك إن إدلب تأخذ دور حجر المحك -نوع من الحجر تُحك به المعادن للاختبار والتجريب- في الوقت الحالي.
لم تتردد روسيا في قصف مدينة إدلب على الرغم من أن إدلب كانت تحت مسؤولية تركيا من خلال النقاط العسكرية التي أسستها الأخيرة في المنطقة بناء على قرارات مرحلة أستانة، وكذلك ينتظر الأسد وقواته على استعداد لتنفيذ هجمات جديدة على إدلب، وفي هذا السياق ستُعقد قمّة طهران في ظل الظروف المذكورة، ولذلك يبدو أن مهمّة أنقرة ستكون صعبة للغاية، إذ أجرت تركيا دبلوماسية ناجحة منذ بداية الأزمة السورية إلى الآن، ويبدو أن هذه القمّة التي عقدت في ظل استخدام الأسلحة وتوتّر العلاقات وهدوء ما قبل العاصفة كانت بمثابة امتحان جديد أمام تركيا، لأن الأطراف التي جلستوحول طاولة المفاوضات بدت وكأنها صديقة لتركيا ولكنها لا تشارك الأخيرة في أفكارها وآرائها، ولذلك إذا تمكّنت تركيا من الوقوف في وجه تنفيذ عملية عسكرية في إدلب، ربما لن تنتهي الأزمة بشكل كامل ولكن ستكون قد منعت وقوع ملحمة إنسانية جديدة في الوقت الحالي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس