ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
في مقالنا السابق (الانسحاب الأمريكي من سوريا وعملية شرق الفرات) خفضنا من سقف التوقعات التي انتابت شارع التحليل السياسي التركي والذي ذهب بعيدا، إلى أن ترامب تحول بقدرة قادر إلى ملاك يرعى الاتفاقيات والعهود وقواعد الأحلاف وقدم شرق الفرات هدية لصديقه الرئيس أردوغان الأمين على أمن بلاده الاستراتيجي حرصا على تلك المبادئ والعهود.
بعد ساعات من انتصاف النهار يوم الجمعة الماضي أعلن باسم جيش النظام السوري دخول مدينة منبج بعد أن طردت منها قبل ست سنوات، تبادل السيطرة عليها خلال تلك الفترة، تنظيم الدولة و ميليشيا الأكراد الانفصاليين، لكن وبعد القرار الأمريكي المفاجئ بسحب قواتها من سوريا باتت ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية في مواجهة غير متكافئة مع تركيا التي أعلن رئيسها أنه عازم لا محالة على تطهير الجوار من المليشيات الإرهابية، وبالفعل بدأ بحشد قواته بمحاذاة الحدود المواجهة للمدينة متحينا الوقت المناسب لجاهزية قواته ومواتاة الأرض للهجوم، في وقت فيه سمع الرئيس التركي معسول الكلام من الرئيس الأمريكي ردا على تقديم تركيا نفسها كبديل يملأ فراغ انسحاب القوات الأمريكية من المدينة.
وعلى الرغم من نفي قوات التحالف والأمريكان لصحة ما جاء في بيان جيش الأسد، إلا أن وقوع هذا الأمر وارد، فروسيا، الفاعل الحقيقي على الأرض في سوريا، تريد ان يملأ فراغ القوات الأمريكية في سوريا بقوات النظام، وهو ما ظهر في بيان الكرملين بعد دقائق من بيان جيش النظام الذي أعلن فيه عن دخول قواته إلى منبج، والأكراد من ناحيتهم، لا مانع لديهم من التعاون مع الأسد الذي وافق في أكثر من مناسبة على دولة فيدرالية في تسوية ما بعد الحرب، من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن دخول جيش النظام إلى منبج والشمال السوري كله سيخلط الأوراق بالكامل، فتركيا لن تستطيع وقتها أن تدخل في مواجهة مع جيش النظام المدعوم من الحليف الروسي والصديق الإيراني.
لكن المشهد هنا يضع استفهاما كبيرا، هل أمريكا كانت تفهم مآلات ذلك القرار الذي اتخذه ترامب، وهل آثرت أن يسيطر النظام المدعوم من روسيا، أو بالأحرى روسيا على تلك المناطق التي ستنسحب منها، وهل أرادت خداع الأتراك؟
الإجابة على هذا السؤال تحتاج ترامب ومن استشاره في القرار بالطبع، فاحتمال عدم قراءة المشهد بشكل جيد وارد، لاسيما وقد استقال وزير الدفاع الأمريكي على إثره، لكن الرغبة في خداع تركيا محتملة بشكل كبير في ظل العلاقات القلقة بين الإدارة الأمريكية الحالية وتركيا، وهنا يطرح سؤال استشرافي مفاده: طالما أن جيش النظام السوري لم يدخل منبج الاستراتيجية بالفعل، ماذا على تركيا ان تفعل الآن؟
أظن والقرار بيد القيادة التركية أن فترة أعياد الميلاد، فترة مناسبة لكي تستفيد تركيا بشن هجوم كبير يحرك المشهد لصالحها ويستبق خطوة أُطلق بالون اختبارها بإعلان المتحدث باسم جيش النظام عنها وإن لم ينفذها، فضربة جوية مركزة تتبعها عملية شاملة ستكون حلا وقائيا لمشهد يمكن أن يزداد تعقيدا لو نفذت خطة النظام التي أطلق بالون اختبارها الجمعة، وإلا سيكون لزاما على تركيا قبول جيش النظام على حدودها كنصف حل أفضل من أزمة، ووقتها فإن تركيا ستخسر ولو معنويا حماس الجيش السوري الحر الذي اعتمدت عليه في غصن الزيتون ودرع الفرات، وفي كلا الحلين فتنة أوقعها فيها القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا، وهو ما يؤكد أن من تفاءل بالقرار الأمريكي لم يقرأ المشهد بشكل جيد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس