سعيد الحاج - TRT عربي
على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا اليابانية عقد الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأمريكي دونالد ترمب اجتماعاً ثنائياً ناقشا فيه أبرز القضايا الحساسة، وعلى رأسها صفقة صوايخ S-400 التي من المتوقع أن تتسلّمها أنقرة مطلع الشهر الجاري.
يمكن القول إن لقاء الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأمريكي دونالد ترمب كان أفضل مما توقعت أنقرة بخصوص صفقة S-400 الروسية ومشروع طائرات F-35. لكن من الصعب الجزم بأنها قد تجاوزت الأزمة مع واشنطن واستطاعت تجنب عقوباتها تماماً ونهائياً.
ذلك أن تركيا عوّلت كثيراً على لقاء الرئيسين على هامش قمة العشرين في اليابان لفتح ثغرة في المواقف الأمريكية المعلنة، والتي حملت تهديدات واضحة ومباشرة بعقوبات اقتصادية وسياسية بما في ذلك احتمالية إخراجها من مشروع طائرات F-35 الذي دخلته كشريك، حتى أن واشنطن قد خطت الخطوة الأولى بمنع الطيارين الأتراك من متابعة تدريباتهم على الطائرة.
هذه "العصا" الأمريكية اقترنت بـ"جزرة" تمثلت بعرض صفقة صواريخ باتريوت على تركيا كبديل للمنظومة الدفاعية الروسية. ولكن أنقرة قاربت العرض بحذر حيث رحبت به وأبدت اهتمامها، ولكن كإضافة وليس كبديل؛ لأسباب كثيرة في مقدمتها ضيق الوقت وعدم الثقة بالجانب الأمريكي، وكذلك حرج التجاوب مع الصفقة تحت سيف التهديدات الأمريكية.
https://www.youtube.com/watch?v=na0A45UeppM
الإصرار التركي على إمضاء الصفقة الروسية تأكد على مدى الأيام القليلة التي سبقت القمة على ألسن أكثر من مسؤول تركي، بدءاً من الرئيس أردوغان مروراً بوزير الخارجية جاوش أوغلو وصولاً إلى وزير الدفاع خلوصي أقار، الذي نفذ جولة على عدد من أحزاب المعارضة لإطلاعهم على آخر المستجدات في الصفقة، ما فُهم أنه سعي من الحكومة لتوحيد الجبهة الداخلية في حال تعرضت البلاد لعقوبات أمريكية.
لكن كل ذلك لم يعنِ يوماً رغبة تركية في المواجهة مع الولايات المتحدة أو افتعال أزمة معها، بل عملت الدبلوماسية التركية بطاقتها القصوى لمحاولة تجنبها، بما في ذلك اللهجة التركية الرسمية الهادئة تجاه التهديدات والتي أحالت دائماً إلى تعارض لهجة التهديد مع الشراكة الإستراتيجية التي تجمع البلدين.
وكذلك عرضها على واشنطن تشكيل لجنة مشتركة لدراسة الأخطار المحتملة للصواريخ الروسية على الأسلحة الأمريكية والأطلسية. أكثر من ذلك فقد أنهت محكمة تركية الحبس المنزلي أو الإقامة الجبرية عن مواطن تركي يعمل في القنصلية الأمريكية في إسطنبول، ما اعتبرته بعض الأوساط رسالة حسن نوايا.
في الخلاصة، توجه الرئيس التركي للقاء ترمب بعد استفراغ كامل الجهد التركي في محاولة امتصاص الغضب الأمريكي، وبدا تفاؤله أو رهانه على ترمب مبرراً بعد أن أثبتت اللقاءات الثنائية، أو الاتصالات الهاتفية التي جمعت الاثنين سابقاً، قدرتها على إذابة بعض الجليد.
في كلمته مع أردوغان وفي مؤتمره الصحافي، تبنى ترمب الرواية التركية إلى حد ما، محملاً إدارة أوباما مسؤولية الصفقة التركية مع روسيا على اعتبار أن تعنت الإدارة الأمريكية السابقة مع أنقرة هو ما دفعها للبحث عن بديل.
تفهُّمُ ترمب للموقف التركي هذا، والمديح الذي كاله للرئيس التركي وتجنبه الحديث المباشر عن عقوبات أمريكية، كانت أخباراً سارة بلا شك بالنسبة لأنقرة مع اقتراب موعد التسليم في شهر يوليو/تموز الجاري.
في حديثه، بدا ترمب راغباً في استثمار الحدث بشكل تجاري، على عادته، مُلمحاً إلى إمكانية بيع تركيا أسلحة أمريكية إضافية كمخرج للتوتر الحالي.
هذه التسوية أو الصفقة المحتملة أو المرغوبة أمريكياً لاقت رصيداً من المصداقية حين وُضعت إلى جانب عدد من المؤشرات الإيجابية في العلاقات الثنائية مؤخراً بين البلدين، وفي مقدمتها تسريبات عن قرب إغلاق ملف مصرف "خلق" التركي في الولايات المتحدة، وإطلاق السلطات الأمريكية سراح النائب السابق لرئيسه محمد أتيللا خلال الشهر الحالي.
حين سئل الرئيس الأمركي عن احتمال فرض بلاده عقوبات على تركيا بخصوص الصفقة الروسية أجاب بأنهم "يبحثون في الخيارات المتاحة" وأن الأمر "معقد نوعاً ما"، فهل تجاوزت تركيا بذلك احتمالية العقوبات الأمريكية بشكل أكيد؟ لا يبدو ذلك.
صحيح أن تركيا حصلت على ما أرادته في المرحلة الحالية من اللقاء وأن ما خرج من الأخير مريح لها مؤقتاً، لكن ذلك لا يعني أنها تجاوزت الأمر نهائياً لثلاثة أسباب رئيسة:
الأول، أن ترمب لم ينفِ تماماً وبشكل واضح إمكانية فرض عقوبات على أنقرة وإنما ناور في الإجابة.
الثاني، أن الرئيس الأمريكي بات معروفاً بتقلباته وتردد مواقفه، وما قرار الانسحاب من سوريا - والذي أعلن عنه للمفارقة في اتصال هاتفي مع أردوغان – ببعيد.
الثالث، أن المؤسسات الأمريكية لم تقل كلمتها النهائية بعد وخصوصاً البنتاغون، وهي التي أثبتت في مرات سابقة قدرتها على إقناع ترمب أو الضغط عليه لتغيير مواقفه والنكوص عن تصريحاته.
في الخلاصة، حملت قمة العشرين أخباراً جيدة بالنسبة لأنقرة ما رفع من مستوى تفاؤلها بتجنب العقوبات الأمريكية، بعد أن أوصدت الباب تماماً أمام إمكانية إلغاء الصفقة الروسية.
لكنها ما زالت –أي أنقرة- تدرس هذا الاحتمال بجدية ما يجعل تفاؤلها مشوباً بالكثير من الحذر والقلق والاستعداد لشهر يوليو الحالي الذي يشمل موعد تسليم المنظومة الروسية، وكذلك الموعد النهائي للمهلة الأمريكية الممنوحة لها، ما يرشحه لأن يمر ساخناً نوعاً ما عليها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس