ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
تناقلت القنوات الفضائية، كل بحسب الحجم الذي يريد أن ينقل به الخبر، صور البحارة الأتراك العائدين من قبضة الجنرال المنقلب خليفة حفتر من ليبيا، وتلك الفرحة التي عمت أهاليهم عند استقبالهم في مطار إسطنبول، وذلك البحار الذي أخذ يقبل يد أمه بشكل أثار المشاعر واسكب الدمع، هذه الحادثة التي تعد نصرا بكل المقاييس للإدارة التركية، لاسيما وأن الآلة الإعلامية في كل من الإمارات والسعودية ومن ورائهم إعلام الانقلاب في ليبيا الممول من الدولتين السابقتين قد عرض صورا لجوازات سفر البحارة وهويات زعم أنها عسكرية للمخطوفين الأتراك، يؤكد فيها أن المقبوض عليهم جنود ويعملون مع الحكومة الليبية الشرعية!
ولا عجب من قلب الحقائق، فقد أصبح من المستغرب في عرف تلك الأنظمة الانقلابية أن تتعاون دولة مع دولة وحكومة شرعية معترف بها دوليا، لكن الآلة الإعلامية لتلك الدول أصبحت تنتهج سياسة (اكذب ثم اكذب حتى يصدقوك) ومن الأغرب أن هناك بالفعل من يصدقون تلك الأكاذيب.
عودة إلى الحدث، استغربت كثيرا أن القيادة التركية لم تستفد من هذا الحدث الذي يعد انتصارا كبيرا لها، وتأكيدا على قيمة الإنسان التركي لديها، وهو ليس مستغربا، فالقصص كثيرة خلال السنوات الماضية تؤكد هذا المفهوم الراسخ لدى الإدارة التركية منذ أن تولى حزب لعدالة والتنمية حكم تركيا، لكن هذه المرة، الأمر أكبر وأجل في ظل هذا الصراع الذي تقوده دول النفط بدفع من دول غربية للتقليل من تركيا الكبيرة التي صنعها اردوغان، لقد كان اللقاء الذي جمع الرئيس اردوغان بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كافيا لأن يطلق الجنرال حفتر سراح البحارة الأتراك، وأن يسكت الآلة الإعلامية في كل من الإمارات والسعودية، ولم يكن ليحدث ذلك إلا بأوراق يملكها اردوغان لعب بها مع ماكرون، المعروف موقفه من تركيا، فربح اردوغان وربحت تركيا.
في نفس الأسبوع استطاع اردوغان أن يمرر صفقة منظومة الصواريخ الروسية الأحدث في العالم، رغم تأكيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أنه لن يسمح بتمريرها، ودفع إداراته لحملة تخويف لتركيا بأن عقوبة تنتظرها ذا ما أتمت هذه الصفقة المهمة، وتحرك الكونجرس، وانعقدت لجنة الدفاع والأمن القومي وكتبت مراكز الأبحاث الموالية والمدفوعة من لوبي السلاح واللوبي الصهيوني في المخاطر الوجودية لاستلام تركيا منظومة الدفاع هذه، لكن القيادة التركية استطاعت أن تمرر الصفقة وخلال ساعات ستكون الصواريخ قد وصلت إلى تركيا ليبدأ بعدها بساعات الخبراء الروس في تدريب الأتراك على تشغيلها.
هذه الصفقة المهمة والخطيرة لم تكن لتمرر إلا بأوراق امتلكتها انقرة واستطاعت بها أن تنتصر في معركة تجمّعت فيها دول إقليمية مع لوبي السلاح واللوبي الصهيوني مع صقور الحزب الجمهوري الحاكم في أمريكا وساهم في الضغط الحزب الديمقراطي للمناكفة، مع ذلك استطاع اردوغان أن ينتصر.
لكن الشاهد في الموقفين أن الآلة الإعلامية الجبارة التي تعمل ضد الرئيس وحزبه استطاعت، وأرى أن استطاعتها تكمن في ضعف الآلة الإعلامية الحكومية، في فرض مشاهد أخرى، خدمها فيها التوقيت، في التغطية على تلك الانتصارات الإستراتيجية التي حققها الرئيس اردوغان وإدارته، فلم يكن فوز حزب الشعب الجمهوري لبلدية، هزيمة ساحقة كما صورت الآلة الإعلامية المضادة سواء في المعارضة أو دول المناكفة في محور الشر، ولم يكن إعلان باباجان المقرب من اردوغان نيته تأسيس حزب جديد بالانشقاق أو التصدع في الحزب الحاكم وإيذانا بسقوطه، لكن الآلة الإعلامية المناهضة، تريد أن ترسخ هذا الشعور وتصور الإدارة التركية على أنها منهارة ولا تحقق نجاحات، مستغلةً الحرب الاقتصادية التي تشنها أمريكا وأوروبا، ومستخدمة براميل النفط في الخليج الذين أمروا بسحب استثماراتهم من تركيا ليسرعوا إسقاط تركيا لا إدارتها كما تظن المعارضة، ولهم في مصر عبرة، لو كانوا يعقلون.
يقول مالكوم إكس: (وسائل الإعلام هي الكيان الأقوى على وجه الأرض، لديهم القدرة على جعل الأبرياء مذنبين، وجعل المذنبين أبرياء، وهذه هي القوة، لأنها تتحكم في عقول الجماهير).
ونقول: إن الحق لا يمكن أن يستمر من دون إعلام قوي يروج لأعماله ويدحض أكاذيب الخصوم، فالنفس الإنسانية تركن إلى سماع المثير وترغب في قراءة المشوق الغريب، وأدوات ذلك كثيرة إن لم يستخدمها أهل الحق، سمع الناس للباطل.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس