بريل ديدي أوغلو / ترجمة وتحرير ترك برس
يتغير وجه الإرهاب شيئا فشيئا في الدول المتقدمة. وقد استهدفت العمليات الإرهابية في صورتها التقليدية أفراداً من الناس وقوافل عسكرية ووسائل النقل العامة أو المدارس أو الفنادق وتحصد بذلك أرواح الكثيرين...
ولم يكن أحد يذكر بالكاد اسم الفاعل أو اسم أحد من الضحايا...
أما اليوم تستهدف العمليات الإرهابية الأشخاص المعروفين ذوي الشهرة أو المناصب الرفيعة. وأكبر ما يميز عمليات الإرهاب اليوم عنها في الماضي هو وجود قصة وراء مرتكبها تجعله شخصية غير مجهولة وغير خفية عن الجميع...
ويمكن بسهولة معرفة مرتكب الإرهاب، فهو شخص نعرفه عاش معنا في الحي الذي نسكنه يمشي كل يوم في الشارع الذي نمشي فيه ويذهب إلى نفس المدرسة...
وهذا ما يجعل تأثيره أكبر على المجتمع خصوصا مع استعمال وسائل الإعلام المتطورة في تصوير الأحداث.
نشعر بالارتباك ويقلقنا ما نعرفه عن الضحية وعائلته التي لم يبق لها سوى الألم، ونعرف بنفس الوقت تفاصيل شخصية مرتكب الجرائم الإرهابية ودوافعه وأهدافه.
ومن الطبيعي أن يستهدف الإرهاب الأفراد وليس الجماعات في عالمنا اليوم الذي يعتمد على الفرد ويعتبر له الصدارة في المجتمعات المتقدمة.
الدولة هي المستهدفة
يمكننا تعريف العمليتين الإرهابيتين اللتين وقعتا في تركيا بفاصل يوم واحد على أنهما استهدفتا أفرادا وليس جماعات، على الرغم من أن تركيا لم تصل بعد إلى المرحلة التي تولي الفرد الصدارة في نظامها الاجتماعي السياسي.
ولعل الإرهابيين الذين قتلا المدعي العام في مكتبه قاما بإظهار شخصية الشاب الفتى اليافع، الذي أصيب برأسه في أحداث غازي وتوفي في المشفى فيما بعد، جاعلين منه رمزا لجماعة أو لمذهب في محاولة لإضفاء الصبغة المذهبية على عملهما الإرهابي.
كان من الممكن لنا أن نفهم هذا الهجوم الإرهابي لو أن المؤسسات والجمعيات التابعة لمذاهب مختلفة في تركيا كانت لها مساع لتأجيج صراعات مذهبية، فإذا هنا يمكننا تشخيص الوضع على أنه تهديد لخلق ما هو غير موجود بالفعل.
علينا في البداية أن نعلم إلى من توجه الرسالة في هذا الهجوم الإرهابي. يمكنني القول أن الهجوم الذي استهدف المدعي العام والآخر الذي استهدف مديرية الأمن قد استهدفا الدولة بشكل واضح للعيان.
فلا شك أن الخطوات الأخيرة التي خطتها تركيا مؤخرا لم ترق للبعض وأغضبتهم بشكل كبير...
الهدف عالمي
إن كانت الدولة التركية هي المستهدفة فالعمليتان الإرهابيتان في هذه الحالة ما هما إلا تحذيرات بشأن سياسة تركيا الخارجية والمرتبة التي وصلت لها تركيا على مستوى العالم، وإذا ما فكرنا في هذا المنحى فليس من الخطأ أن نعتقد أن قرار الإرهاب هذا قد أتى من الخارج...
وعلى ما يبدو فإن تركيا تقطع صلة دولة أوروبية أو مجموعة في دولة أوروبية بالتنظيمات التي تدعمها في الشرق الوسط وخصوصا سوريا، على ما يبدو أن تركيا تدوس على قدم أحد ما. وربما يكون تنظيم داعش يشعر بالامتنان لوجود دولة داعمة.
فلنلقي نظرة سريعة: بوجود تنظيم داعش وبوجود الأسد وبالتالي إيران نرى أتساعا في رقعة حركة روسيا التي تساند الشيعة.
إذا ما أزيل تنظيم داعش وتأسست عوضا عنه "معارضة معتدلة" في سوريا لا يبقى متسعا لهؤلاء الذين يقومون بدعم مثل هذه التنظيمات في الشرق الأوسط، والصف الذي انحازت له تركيا واضح بالتحالف العربي في اليمن وفي تحالف مع العراق وسوريا، وهنا حري السؤال: من هي الدول الأوروبية التي تعيش مشاكل مع شركائها بسبب استمرار دعمها لإيران ومن وداعمة الخط الشيعي روسيا.
الخيارات ليست كثيرة، واضح هو المكان الذي تشير له أصابع الاتهام، وربما وجود الرئيس التركي أردوغان في جولة أوروبية في هذه الأثناء ليس صدفة.
ماعلينا الآن إلا أن نوحد صفوفنا ونجعلها متراصة كي لا ندع المجال لدخول أحد، فالعمليات قد تستمر وأي انقسام لدينا سيعطي فرصة نجاح هذه اللعبة القذرة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس