علي محمدوف - خاص ترك برس
ظهرت الكثير من الخيوط والجوانب الشرق أوسطية، منذ الأيام الأولى لاندلاع المواجهات بين أذربيجان وأرمينيا، ولم يكن اصطفاف الإعلام العربي أحد أبرز ملامحها، وإنما ذهب الأمر أبعد من ذلك من خلال استخدام وسائل الحرب الإعلامية، التي سادت في العالم العربي بعد عام 2011 من خلال كثافة ضخ الأخبار، والإيحاء بأن ما يجري بين البلدين الجارين في جنوب القوقاز، مجرد فوضى، بتحريض من أطراف إقليمية، وتعمد تجاهل الغوص في التفاصيل التي لا تخدم الاصطفاف الفاضح لما يراد التسويق له.
أفقد انقسام الإعلام العربي، منذ عدة سنوات، أهمية تأثير التوجه المذكور أعلاه، وأضعفه، لأنه انحسر في عدة جهات إعلامية فقط، وبسبب أن أطراف النزاع أيضا، لم تكن بمجملها من الناطقين باللغة العربية، ما عدا مواطني بعض الدول العربية من الأصول الأرمنية، الذين تلقفوا تلك الأخبار، التي راقت لهم، وساهم انتشار اللوبيات الأرمنية حول العالم، في الترويج لها، في تعويل على بناء جبهة مضادة لتركيا، لا سيما في فرنسا وأميركا وروسيا، وتأجيج لبعض الدول العربية التي لديها خلافات مع أنقرة.
لا يمكن إنكار أهمية الحرب الإعلامية في ساحات الحروب، ومن الأمور المثيرة أن حرب جنوب القوقاز الإعلامية، كانت في الإعلام العربي، والذي من المفترض أن يكون "حياديًا"، بعيداً عن الموقف الأخلاقي والنظرة إلى احتلال دولة لأراضي دولة أخرى، وحتى في تجاهل لعلاقات مميزة تربط دولًا عربية مع أحد طرفي النزاع مقابل لا علاقات مع الطرف الآخر، وتغييب للموقف الرسمي لدول عربية انخرطت وسائل إعلام ممولة من عواصمها في حرب إعلامية ضد أحد طرفي حرب القوقاز.
كان لافتًا في البداية استخدام مصطلح "المرتزقة"، ولاحقا "الإرهابيين"، وتوجيه أصابع الاتهام نحو أذربيجان ومن خلفها تركيا، والشيء المثير، أن المصدر الرئيسي "الوحيد" لهذا الادعاء، (الذي تلقفته معظم وسائل الإعلام العربية، وبعضها على استحياء)، ما يطلق عليه "المرصد سوري لحقوق الإنسان"، الذي يديره ويظهر على الإعلام متحدثًا عنه، شخص يحمل اسمًا مستعارًا، وأحيانًا كثيرة يصعب التمييز إذا ما كان وكالة أخبار، أو مرصدًا أو شيئًا آخر، والمؤكد الوحيد حوله هو قربه من الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني "بي كي كي" (المصنف على قوائم الإرهاب في الناتو وأذربيجان وكازاخستان وسوريا ودول أخرى) ويتضح ذلك من خلال تتبع خريطة ونسبة ونوعية وأهمية الاخبار التي يسوقها.
تبنت وسائل روسية تلك "المزاعم"، مع أن مصدر تلك الرواية، سبق ولفق للقوات الروسية أكثر من تهمة داخل أراضي الجمهورية العربية السورية، وهناك أكثر من اتهام رسمي روسي حول خلفية تلك الجهة، من خلال ما تقوم بتسويقه من أخبار ونوعيتها، حول الأطراف المتصارعة في الحروب السورية.
وقد استغرب مقدم البرامج الشهير الإعلامي الروسي مكسيم شيفشينكا، ترديد بعض الإعلام في روسيا، وحتى مسؤولين روس لتلك المزاعم، متحدثا عن خبرته في هذه الدول، وأشار إلى الخلفية الشيعية لعلمانية أذربيجان وقدراتها البشرية لتحرير أرضها المحتلة، التي لا ينطبق عليها على الإطلاق ما أسماها "برباغندا إعلامية"، مع أن الرئيس الفرنسي ماكرون الذي أعجبه "اللحن" الذي يقحم تركيا في النزاع، فشل حتى اليوم في تقديم أدلة ملموسة طالبه بها نظيره الأذربيجاني إلهام علييف، ووحدها واشنطن تعاملت بحذر مع تلك "المزاعم".
نجد في المقابل، اعترافًا أرمينيًا رسميًا بوجود مرتزقة إلى جانبهم، تحت ذريعة أنهم أرمن ويحق لهم القدوم للدفاع عن أرمينيا، حتى لو كانت لديهم جنسيات مختلفة، وهذا "ليس عيبًا"، وفق كلام أرمين سركسيان رئيس أرمينيا على أكثر من وسيلة إعلام، وسبق وكشفت وكالة الاستخبارات الأميركية عن صلات بين منظمة أصالة الأرمنية و"بي كي كي"، ووجود مقاتلي هذا الحزب في مناطق المعارك ضد أذربيجان ليس بالشيء الغريب.
في الختام، لا بد من القول، لا ننفي أو نؤكد رواية أي جهة، لكن من خلال استعراض لسير معارك الإعلام على الشاشات وفي الصحف والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، والتصريحات الرسمية، التي تشير بمجملها إلى مصدر "البروباغندا" التي تحركها أسباب كثيرة، لا تتعلق بشكل مباشر بالأرمن أو أذربيجان... وللحديث بقية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس