ترك برس
نجحت حكومة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في إتمام اتفاقية تجارية مع الاتحاد الأوروبي، عقب انتهاء فترة طويلة من المفاوضات غلب عليها التوتر، من أجل مغادرة التكتل "بريكست".
وبالنظر إلى المخاطر الاقتصادية التي كانت ستواجهها بريطانيا حال خروجها من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، يمكن تقييم الاتفاقية التجارية المذكورة على أنها إيجابية بالنسبة إلى المملكة المتحدة.
جاء ذلك وفق تقرير نشرته وكالة الأناضول من إعداد "جوناثان فينتون هارفي"، وهو صحفي وباحث مهتم بالدراسات حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة الخليج، وبالقضايا الجيوسياسية.
وبحسب التقرير، استطاعت المملكة المتحدة الحفاظ على بعض المزايا الاقتصادية لدى الاتحاد الأوروبي، إلا أنه رغم ذلك، تسعى المملكة إلى مد روابطها التجارية لأبعد من أوروبا.
وتابع التقرير: في تلك الفترة التي تتجه فيها المملكة المتحدة إلى حلفائها التقليديين خارج الاتحاد الأوروبي، كانت تركيا من أبرز الحلفاء الجدد والأقوياء؛ إذ سعت لندن إلى تأسيس علاقات اقتصادية أقوى مع أنقرة.
في 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وقعت تركيا وبريطانيا اتفاقية تجارة حرة؛ أشاد بها الرئيس رجب طيب أردوغان، ووصفها بأنها أهم اتفاقية تجارية لبلاده منذ توقيع اتفاقية الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي عام 1995.
تضمن الاتفاقية المحافظة على الروابط التجارية القائمة بين البلدين، والعمل على زيادة التبادل التجاري؛ كما تعمل على منع بعض الخسائر المالية عبر إلغاء الضرائب على الصادرات.
فيما تعد بريطانيا ثاني أكبر شريك تجاري لتركيا، بعد ألمانيا، وتمثل المعادن النفيسة والمركبات والمنسوجات والأجهزة الكهربائية، أكبر الصادرات التركية إلى بريطانيا.
كان العمل على توقيع الاتفاقية مستمرا منذ فترة طويلة، وخلال زيارته إلى لندن في يوليو/ تموز 2019، للقاء نظيره البريطاني دومينيك راب، صرح وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، بأن توقيعها سيتم قريبا.
وتزيد الاتفاقية من احتمالية تأسيس روابط اقتصادية أقوى بين البلدين خلال السنوات العشر القادمة؛ كما ستوفر فوائد اقتصادية كبيرة لبريطانيا كون تركيا حلفيا اقتصاديا قويا من خارج الاتحاد الأوروبي.
وطور البلدان علاقاتهما كثيراً خلال آخر عشر سنوات، خاصة خلال الفترة الماضية.
وأعربت بريطانيا كثيراً عن دعمها لتركيا في حربها ضد تنظيم "داعش" الإرهابي؛ كما أدانت المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا صيف 2016، ووصفتها بأنها اعتداء على الديمقراطية، وهو موقف لم يصدر من أي دولة بالاتحاد الأوروبي، وقتها.
عقب إجراء استفتاء "بريكست"، بدأت بريطانيا تبتعد تدريجيا عن الاتحاد الأوروبي وبدأت في اتخاذ مواقف مغايرة لمواقف دول الاتحاد.
مثلاً لم توجه بريطانيا نقدا إلى تركيا بسبب عملية "نبع السلام" التي أطلقتها شمالي سوريا، ضد تنظيم "ي ب ك/ بي كا كا" الإرهابي، ولم تعلق بيع السلاح إليها، كما فعلت ألمانيا وفرنسا.
وبينما سعت بريطانيا عقب خروجها من الاتحاد الأوروبي إلى تأسيس علاقات أقوى مع تركيا، سعت الدول الأعضاء بالناتو إلى استخدام الحلف أداة للضغط على أنقرة.
وفرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عقوبات على تركيا، بينما صرح الرئيس الجديد جو بايدن خلال حملته الانتخابية، بأنه سيفكر في دعم المعارضة التركية حال فوزه بالرئاسة.
لذلك، فعند مقارنة مواقف الدول الغربية القوية تجاه أنقرة، نرى أن بريطانيا هي أقرب حليف لتركيا وأكثر الدول تفهما لمواقفها؛ وبالطبع فإن هذا الوضع يمهد لتشكيل تحالف أقوى بين البلدين في المستقبل.
خلال الفترة الأخيرة رددت حكومة جونسون، أنها ستتبع سياسة خارجية أكثر استقلالية بعد تحرر بريطانيا من قيود الاتحاد الأوربي.
وفي ظل هذه الظروف سترى لندن، أنقرة، على أنها "الحليف الأنسب" نظراً لأهميتها الجيوستراتيجية لقربها من أوروبا ومنطقة شرقي المتوسط والشرق الأوسط.
تسعى حكومة جونسون إلى مواصلة نفوذ السياسة الخارجية لبريطانيا في الشرق الأوسط، عبر حلفائها التقليديين مثل البحرين، حيث تمتلك قاعدة بحرية مهمة تتيح لها الحفاظ على نفوذها العسكري في المنطقة.
ويمكن أن يمهد ذلك في الوقت نفسه، إلى تعاون أوسع بين لندن وأنقرة في شرق المتوسط.
كذلك، سيتيح التعاون بين البلدين فرصة لبريطانيا لاتخاذ قرارات استباقية بشكل أكبر في سياساتها الخارجية؛ مثلا يمكن أن يساعد التعاون بين أنقرة ولندن بخصوص الملف الليبي، إلى تشكيل تأثير أقوى، ما يساعد على تشكيل أرضية أكثر صلابة لإرساء السلام هناك.
مع ذلك، هناك احتمال أن تتبع بريطانيا، مؤقتا، سياسة خارجية أكثر انطوائية؛ وتظهر الاتفاقيات التي أبرمتها مع الاتحاد الأوروبي وتركيا أنها ستنجح في تحقيق توازن بين علاقاتها بالطرفين.
لقد لعب "بريكست" دوراً في تقوية الروابط بين بريطانيا وتركيا، وسيساعد على تعميق العلاقات بينهما خلال السنوات المقبلة.
وهذا سيجعل تركيا حليفا أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية والاقتصادية بالنسبة إلى بريطانيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!