ترك برس
تتوالى التصريحات الرسمية التركية المرحّبة بالتقارب مع مصر وإعادة فتح صفحة جديدة معها، وذلك عقب خطوات إيجابية مبطّنة صدرت من قبل القاهرة، ولم تمر مرور الكرام على أنقرة.
مطلع مارس/ آذار الحالي، أكد وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو على المصالح المشتركة بين بلاده ومصر، مشيرا إلى استعداد تركيا للتفاوض والتوقيع على اتفاقية الاختصاص البحري مع القاهرة.
وبعد 3 أيام، انخرط وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في الدبلوماسية المصرية عندما شدد خلال التدريبات التكتيكية للوطن الأزرق 2021 على أن البلدين يشتركان في القيم التاريخية والثقافية، ملمحا إلى احتمال حدوث تطورات جديدة.
وأيد المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن هذه التصريحات، عندما أخبر صحيفة بلومبيرغ الأميركية أن من الممكن فتح فصل جديد في علاقات بلاده مع مصر.
التصريحات التركية هذه جاءت عقب إعلان مصر، مؤخراً، طرحها مناقصة للبحث عن الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط، راعت فيها الجرف القاري لتركيا.
وفي هذا الإطار، تساءل الباحث علي باكير عن دوافع المساعي الدبلوماسية الجديدة بين تركيا ومصر، قائلا إن القاهرة ربما تتطلع لتحقيق مكاسب باستخدام أنقرة لاستعادة قيمتها في نظر شركائها الإقليميين، أو تهدف إلى إقامة توازن دقيق مع إبقاء خياراتها مفتوحة مع تركيا من أجل تأمين أقصى حد من المكاسب مع الجميع.
وأشار في مقال له بموقع "ميدل إيست آي" البريطانية، إلى أن ما ذكره عن مصر قد يفسر إرسال القاهرة أحيانا رسائل مختلطة أو متضاربة، لأنها تريد الانفتاح على تركيا من دون أن تفقد دعم الآخرين (الإمارات وإسرائيل واليونان).
واستعرض الكاتب مواقف مصر الإيجابية تجاه تركيا خلال السنوات الماضية وحتى الشهر الماضي، بشأن تنقيبها عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط، وأخذها في الاعتبار مصالح تركيا واحترامها اتفاقية أنقرة وطرابلس عام 2019 حول الحدود البحرية، وتأكيدها -في مؤتمر روما في ديسمبر/كانون الأول الماضي- أن هذه الاتفاقية لا تضر مصالح مصر في شرق المتوسط، وأخذها في الاعتبار تحفظات تركيا على الحدود البحرية والجزر عند توقيع القاهرة اتفاقية ترسيم الحدود مع أثينا في أغسطس/آب الماضي.
وأضاف أن القاهرة أدخلت مؤخرا تغييرات على سياستها تجاه ليبيا جعلتها أقرب إلى أنقرة؛ فقد اتخذت مصر عددا من الخطوات، ومنها إرسال وفد دبلوماسي وأمني رفيع المستوى إلى طرابلس، وإعلانها خططا لإعادة افتتاح سفارتها لأول مرة منذ 2014، بحسب ما نقله تقرير لـ "الجزيرة نت."
وقال باكير إن أنقرة فهمت الخطوات المصرية على أنها رسائل إيجابية، ولم تمررها مرور الكرام، مبيناً أن الرسائل المصممة بعناية بين البلدين لا تستجيب لمصالحهما المشتركة فحسب، بل تستجيب أيضا للديناميكيات الدولية والإقليمية المتغيرة.
وأشار إلى أن فوز الرئيس الأميركي جو بايدن في انتخابات العام الماضي دفع العديد من دول المنطقة -بما في ذلك مصر وتركيا- إلى إعادة ضبط سياساتها لاستيعاب الإدارة الجديدة.
وقال أيضا إنه -وعلى المستوى الإقليمي- لم تكن مصر راضية عن نتائج قمة مجلس التعاون الخليجي الأخيرة في العلا بالسعودية، حيث إن الحليفين المفترضين -السعودية والإمارات- "لم ينسقا مع مصر، ولم يأخذا مصالحها في الاعتبار عندما اتفقا على المصالحة مع الدوحة".
وأوضح أن المصالحة الخليجية تسمح لتركيا بتعزيز علاقاتها مع قطر والكويت وعمان، كما تتوصل إلى انفراج مع السعودية، وإلى حد ما الإمارات، لذلك من الممكن أن تكون القاهرة قد حسبت أنه لن يكون من مصلحتها أن تظل معادية لتركيا في وقت يوقف فيه شركاؤها في الخليج وشرق البحر الأبيض المتوسط (بشكل أساسي الإمارات والسعودية) وكذلك اليونان وإسرائيل، وحتى فرنسا؛ التصعيد مع أنقرة.
ومضى باكير قائلا إن المسؤولين في وزارة الخارجية وأجهزة المخابرات المصرية فضلوا إبرام اتفاق بحري مع تركيا بدل اليونان، لأنه يمنح مصر منطقة بحرية أكبر بكثير، لكن الرئاسة المصرية وافقت على صفقة مع أثينا لتأمين بعض المكاسب السياسية، مع عدم إغلاق الباب أمام تركيا، خاصة بعد الاتفاقات الإماراتية-الإسرائيلية التي أضرت مصالح مصر السياسية والاقتصادية والإستراتيجية.
ولفت باكير الانتباه إلى أن تركيا قدمت في فترة ما قبل وباء كورونا الكثير من المغريات للقاهرة؛ مثل زيادة حجم التجارة الثنائية والاستثمارات وواردات الغاز.
وبدت علاقات البلدين الاقتصادية محصنة ضد التقلبات السياسية، حيث ارتفعت خلال السنوات القليلة الماضية، وتجاوزت عتبة 5 مليارات دولار لأول مرة عام 2018، ومن الممكن أن يعزز الاستقرار في ليبيا هذا التعاون إلى مستويات غير مسبوقة إذا عملت تركيا ومصر معا لإعادة بناء ليبيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!