ترك برس
بعد أكثر من شهر على تسلم أعضاء المجلس الرئاسي الليبي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية مهامهم رسميا في 16 مارس/ آذار الماضي، بدأت تتضح ملامح السياسة الخارجية للسلطة التنفيذية الجديدة، التي كانت محل تساؤلات من قبل.
وبحسب تقرير لوكالة الأناضول التركية، حاول كل من محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية، زيارة معظم العواصم المعنية بالملف الليبي، أو استقبال قادة دول أخرى في العاصمة طرابلس، على اختلاف مواقفها من الأزمة الليبية.
وزار المنفي والدبيبة كلا من تركيا وفرنسا وروسيا ومصر والإمارات والسعودية والكويت وإيطاليا واليونان، كما استقبلا في طرابلس الرئيس التونسي قيس سعيد، ورئيس الوزراء الإيطالي الجديد ماريو دراغي، فضلا عن وزراء خارجية عدة بلدان بينها ألمانيا.
حيث يسعى المسؤولون الليبيون الجدد لحشد أكبر توافق دولي لدعم خطة السلام الأممية الهادفة إلى تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، والمضي نحو المصالحة الداخلية. وفق تقرير الأناضول.
ولم يَغِب الجانب الاقتصادي والدبلوماسي عن هذه الزيارات، من خلال الدعوة لتعزيز الشراكة الاقتصادية وتشجيع الدول على فتح سفاراتها واستئناف خطوطها الجوية لرحلاتها مع مختلف المطارات الدولية في ليبيا.
** تثبيت الاتفاقيتين البحرية والأمنية مع تركيا
أكثر ما كان يثير ترقب المتابعين للسياسة الخارجية الليبية الجديدة موقفها من الاتفاقيتين الأمنية وترسيم الحدود البحرية الموقعتين في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.
حيث تواصل تركيا تقديم الدعم الاستشاري العسكري والتدريب للجيش الليبي، وفق ما تنص عليه الاتفاقية الأمنية الموقعة بين البلدين.
بينما اعترضت اليونان بشدة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، وطردت السفير الليبي حينها، والذي لم يكن سوى محمد المنفي، الذي أصبح فيما بعد رئيسا للمجلس الرئاسي.
لكن الدبيبة، قطع الشك باليقين، عندما أكد في أكثر من مناسبة أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية تصب في مصلحة بلاده، آخرها في مؤتمر صحفي مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
وقال الدبيبة، حينها "فيما يتعلق بالاتفاقيات الموقعة بين بلدينا وخاصة تلك المتعلقة بترسيم الحدود البحرية، فإننا نؤكد أن هذه الاتفاقيات تقوم على أسس صحيحة وتخدم مصالح بلدينا".
وفي الوقت الذي كان فيه الدبيبة في تركيا مع وفد غير مسبوق ضم 14 وزيرا، توجه وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس، إلى مدينة بنغازي (شرق)، والتقى هناك نائب رئيس حكومة الوحدة حسين القطراني، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، لبحث إعادة ترسيم الحدود البحرية.
تلت ذلك زيارة المنفي، إلى أثينا حيث التقى المسؤولين اليونانيين، وحرص على التوضيح أن المجلس الرئاسي "غير مخول وفق اتفاق جنيف بعقد أي اتفاقيات"، مفندا بذلك أنباء تداولتها وسائل إعلام بشأن توقيعه اتفاقا لترسيم الحدود البحرية مع اليونان.
** إخراج المرتزقة
أحد الملفات الحساسة والمثيرة للجدل، حيث دعت الحكومة الليبية المرتزقة والمقاتلين الأجانب للخروج من البلاد، وناشدت المجتمع الدولي دعمها في إخراجهم من أراضيها.
إذ يواصل مرتزقة شركة فاغنر تعزيز مواقعهم وسط ليبيا وجنوبها، وحفر الخنادق بين محافظتي سرت والجفرة (وسط) والقيام بطلعات جوية في الجنوب الغربي انطلاقا من قاعدة تمنهنت الجوية.
وأثار الدبيبة قضية "إخراج المرتزقة" مع المسؤولين الروس، خلال زيارته لموسكو، حيث طالب بالضغط على شركة فاغنر لمغادرة الأراضي الليبية، دون أن يتلقى ردا حاسما.
وبالنسبة للمرتزقة الجنجويد، أكد النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان محمد حمدان دقلو "حميدتي"، خلال لقائه رئيس مجلس الدولة الليبي خالد المشري، بالنيجر، أنه في حال وجود أي سوداني في ليبيا دون إذن السلطات الليبية فإنه يُعد "مرتزقا".
في حين دفعت الضغوط الدولية، المرتزقة التشاديين ممثلين في "جبهة التناوب والوفاق"، لسحب عناصر لهم من ليبيا والهجوم على القوات التشادية في منطقة تيبستي الجبلية والصحراوية بهدف الإطاحة بنظام إدريس ديبي.
** موسم عودة السفارات
أحد الأهداف الرئيسية التي تسعى إليها الدبلوماسية الليبية تشجيع الدول على فتح سفاراتها في طرابلس لتقديم خدماتها لمواطنيها وللمواطنين الليبيين أيضا.
إذ أن أغلب الدول أغلقت سفاراتها في ليبيا خلال السنوات الأخيرة باستثناء تركيا وإيطاليا، بينما قررت فرنسا فتح سفارتها مؤخرا بعد زيارة المنفي إليها.
وطالبت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، بضرورة أن تفتح جميع الدول سفاراتها في ليبيا لتقديم خدماتها بشكل سريع للمواطنين الليبيين والأجانب.
وأعلنت المنقوش أن كلا من اليونان وهولندا وإسبانيا ستفتح سفاراتها قريبا في طرابلس.
كما أبدت عدة دول جوار ليبيا، رغبتها في فتح سفاراتها قريبا بطرابلس خاصة مصر وتونس والجزائر بالإضافة إلى مالطا.
** تعاون اقتصادي أساسه "الطاقة"
وتسارع حكومة الدبيبة الخطى من أجل استكمال عدة مشاريع متوقفة خاصة في قطاع الطاقة الكهربائية الذي يأخذ طابعا استعجاليا مع اقتراب الصيف الذي يشهد انقطاعات متكررة ولفترات طويلة أرهقت المواطنين.
وهذا أحد الأسباب التي دفعت الدبيبة لأخذ نصف وزراء حكومته إلى تركيا، حيث تم توقيع 5 اتفاقيات، أبرزها بروتوكول حول إنشاء محطة كهربائية في ليبيا، ومذكرة تفاهم لتأسيس 3 محطات كهرباء في ليبيا، ومذكرة تفاهم حول بناء محطة ركاب جديدة في مطار طرابلس الدولي.
كما تم عقد الاجتماع الأول "للمجلس الليبي التركي للتعاون الاستراتيجي رفيع المستوى"، الذي تأسس عام 2014، ما يعكس الأهمية التي توليها حكومة الوحدة لتركيا في هذه المرحلة.
إيطاليا بدورها سارعت لتأكيد مكانتها المتقدمة في ليبيا مقارنة بشركائها الأوروبيين، حيث كانت أول زيارة لرئيس وزرائها الجديد دراغي منذ توليه منصبه في 13 فبراير/ شباط، إلى ليبيا في 6 أبريل.
حيث تحدث دراغي مع الدبيبة، عن تكثيف التعاون في قطاعي الكهرباء والطاقة، إذ إن شركة "إيني" الإيطالية للنفط والغاز، تعتبر أكبر شركة أجنبية مستثمرة في ليبيا.
لكن زيارة الرئيس التونسي قيس سعيد إلى طرابلس، سبقت الجميع، حيث تعول تونس على فتح الأسواق الليبية أمام منتجاتها وشركاتها واليد العاملة، بشكل من شأنه تعزيز التبادل التجاري بين البلدين وأيضا امتصاص البطالة خاصة في المناطق الجنوبية المهمشة.
** دبلوماسية كورونا
منذ أول يوم اجتمع فيه بأعضاء حكومته في 11 مارس بعد نيله الثقة البرلمان، انتقد الدبيبة إدارة ملف كورونا، ووضعه على رأس أولوياته.
وكان للنشاط الدبلوماسي الذي قاد الدبيبة إلى عدة دول دور في الحصول على 400 ألف جرعة من لقاح كورونا، منها 150 ألف جرعة من تركيا تمثل الشحنة الرابعة، وصلت طرابلس في 14 أبريل، عقب عودته من أنقرة، وتم إعلان انطلاق عملية التلقيح في 10 أبريل.
كما تسلمت ليبيا من الإمارات أكثر من 100 ألف جرعة من لقاح كورونا، ومن المرتقب أن تصل إلى ليبيا باقي الشحنات بشكل متتالٍ خلال الأسابيع القادمة.
ووعد الدبيبة بتوفير 1.4 مليون جرعة من اللقاحات بأسرع وقت لجميع المواطنين والمقيمين.
فخلال الشهر الأول للسلطة التنفيذية الليبية عملت على تفادي الاستقطاب بين أي من المحاور، والسعي لكسب دعم كل الدول المؤثرة في أزمتها الداخلية، والتمسك باتفاقيتيها الأمنية والبحرية مع تركيا.
وتشجيع الدول على فتح سفاراتها في طرابلس، والضغط الدبلوماسي لإخراج المرتزقة، والتركيز اقتصاديا على ملفي الطاقة الكهربائية وتوفير لقاحات كورونا.
وإن كانت أول زيارة للمنفي والدبيبة إلى فرنسا ومصر على التوالي وبشكل منفصل، فإن أهم زيارة من حيث حجم التمثيل والاتفاقيات الموقعة هي بلا شك تلك التي قادت رئيس حكومة الوحدة إلى تركيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!