علي أبو هميلة - الجزيرة مباشر
جدارية كبيرة تمتد لتمثل الجدار العازل بين الكيان الصهيوني والضفة الغربية في فلسطين الذي أقامته سلطات الاحتلال بطول 402 كيلومتر، ويطلق عليه أهل فلسطين جدار الفصل العنصري، ويسميه الاحتلال الجدار العازل الذي تم بناؤه عام 2006. في منتصف الجدارية التي تحتل أحد الحوائط في الجمعية التركية للتضامن مع فلسطين (فيدرا) في منطقة الفاتح بإسطنبول فتحة كبيرة تُمثل الحلم الفلسطيني بالتحرير.
يطل المقاوم وقد هدم الجدار على المسجد الأقصى وطارت وغردت من فوقه طيور الحرية الفلسطينية، وفي العمق تبدو فلسطين بهية بسماء صافية، ذلك هو الحلم الذي يشتاق إليه كل فلسطيني، عربي مسلم، كل إنسان في العالم يحلم بالتخلص من الجرح الأبدي وتحرير الأرض التي يحتلها الكيان الصهيوني.
لم تكن تلك الجدارية هي الوحيدة التي انتبهت إليها أثناء تجولي في المتحف الذي تقيمه الآن جمعية التضامن التركية مع فلسطين، فالمكان قد تحوّل بفعل أبناء فلسطين الذين يقيمون في إسطنبول إلى قطعة من التاريخ الفلسطيني، لم يُترك جانب من الجوانب إلا وعُرض فيه مجسَّم أو شيء يُمثل تاريخ فلسطين.
جانب من المتحف يعرض خريطة الاحتلال منذ بدايته وحتى الآن، كيف بدأ بقرى متناثرة لا تكاد تُمثل 2% من أرضنا المحتلة، ثم عام 1947، عندما وصلت مساحة الأرض التي احتلتها العصابات الصهيونية إلى 22% من أرض فلسطين، وكانت المفاجأة الكبرى بعد حرب فلسطين 1948، عندما بلغت مساحة الأرض المحتلة بعدها 77% من أرض فلسطين، تلك الحرب التي يتعمد الكثيرون عدم التعرض إليها (ربما نكاية في جمال عبد الناصر حتى يحمّلوا الرجل مسؤولية ضياع فلسطين).
إن البعض يتعمد إلقاء المسؤولية على حرب يونيو/حزيران 1967 التي كان مجمل خسائرها لفلسطين لا تتعدى 10% من الأرض، وبدت الرحلة من بدايتها حتى الوضع الحالي، وتغيرت الخريطة من اللون الأخضر الفلسطيني إلى الأحمر الصهيوني، فلم يبق إلا نقاط صغيرة عربية مثل التي بدأ بها الكيان المحتل، والزمن دوار ليبقى حلم العودة.
حلم العودة الفلسطيني ومفتاحه يوجد أيضا في المتحف، يتمسك به كل جد فلسطيني، أم، أب، وشباب فلسطين، تاريخ طويل ممتد في العمق، ومتنوع في أرجاء حجرات المتحف، فهذا الثوب الفلسطيني يزين الحوائط بألوانه المتعددة، التي تعكس معنى مختلفا لكل لون.
الشال الفلسطيني، الذي يعلقه المناضل أثناء راحته في منزله وبجواره البندقية، رمز دائم للمقاومة، وبجواره الراديو القديم التي تنساب منه أغاني المقاومة للمبدعين الفلسطينيين، ولكل مبدعي الأدب الفلسطيني جناح بالمعرض تجد فيه تاريخ الإبداع وصور المبدعين والسير الذاتية لهم.
جانب آخر في المتحف العاكس لكل تاريخ فلسطين تجد فيه بعض الوثائق التاريخية قبل قيام دولة الاحتلال، فهذه صحيفة فلسطين عام 1933، وثيقة زواج قديمة، رخصة قيادة، وشهادة ميلاد فلسطينية، وأمام تلك الوثائق مجموعة من العملات المعدنية والورقية الفلسطينية، فعلى هذه الأرض تاريخ طويل، لا يمكن طمسه بفعل احتلال حتى لو استمر مئة عام، كما اتفقت مع إبراهيم العلي المسؤول عن المتحف.
على الجدران صور لشهداء الثورة الفلسطينية الممتدة من عبد القادر الحسيني، إلى الشيخ أحمد ياسين، مرورا بـ”أبو أياد” خليل الوزير، ياسر عرفات، عبد العزيز الرنتيسي، حتى آخر شهيد يسقط أو سقط أثناء كتابة هذا المقال.
أدوات المطبخ الفلسطيني حاضرة في المتحف، الأم الفلسطينية مجسَّمة بصمودها ودعمها لأبنائها، جلستها في صحن الدار تعد الأمل والأمن للمقاومين والمقاومة، ملابس الفلاح الفلسطيني وأدواته، اللاجئون والمخيمات، الأسرى الفلسطينيون وما يلاقونه من سلطات الاحتلال الصهيوني، وفي كل مجسَّم أو أداة أو ماكينة في المتحف، سترى أن الاحتلال زائل، وسيُفتح الجدار العازل عما قريب، بمدد من الله.
في قاعة المناسبات بمسجد تقسيم الجديد، اختار الفنان التشكيلي الأردني زيدان عزام أن يشارك في ملتقى الفن العربي التركي بلوحتين مزج فيهما الخط العربي بالتشكيل الفني، جذبني إليهما أن الأولى مكتوب في نصفها فلسطين بالخط الحر وبألوان العلم الفلسطيني.
قلت له “يبدو أن فلسطين حاضرة في وجدان كل فناني العرب، فتلك اللوحة لم تكن الأولى هنا”، قال “إنها قضيتنا جميعا، في هذه اللوحة تعمدت أن أكتب فلسطين بالخط الحر تعبيرا عن جاذبيته، وأيضا رمزا لقرب تحرير فلسطين”. تحت اسم فلسطين ستجد ألوان التضحيات من الأحمر الداكن إلى عذابات الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، أما في الأفق الأعلى من اللوحة ستجد صفاء سماء فلسطين وزهو الألوان السماوية تعبيرا عن المستقبل لها.
اللوحة الثانية للفنان الأردني في الملتقي كُتب فيها بالخط العربي (مدد يا رب) وقال لي “نحن جميعا بحاجة إلى المدد من الله، وقد اخترت أن تكون اللوحتان تكمل إحداهما الأخرى”. نعم نحن في حلمنا بتحرير فلسطين بحاجة إلى المدد الإلهي، وليس فقط من أجل فلسطين بل من أجل كل أمتنا العربية، فكل بلد عربي يسعى إلى الحرية والنهضة والتحرر بحاجة بجوار سعيه إلى مدد من الله، فـ”مدد يا رب”.
لم تكن لوحتا الفنان الأردني هما الوحيدتين في المعرض، بل لوحات عدة أخرى تعبّر عن رحيل العيون العربية كل يوم إلى فلسطين، فتلك لوحة الفنانة السورية جيبا ريحان التي تعكس الآلام الفلسطينية، تتوسط اللوحة المرآة الفلسطينية يحيط بها حمام السلام الذي سيجيء عبر نضالات الشعب الفلسطيني، وفي الخلفية المسجد الأقصى الذي هو رمز لفلسطين وتحريرها.
الفنان السوري إلياس أيضا شارك بعمل فني، كانت لوحته عن أحداث حي الشيخ جرّاح التي حدثت العام الماضي، لتظل فلسطين وآمالها وآلامها وحلمها بالحرية في قلب كل عربي، وكما قالت الفنانة اللبنانية الكبيرة فيروز “عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم.. وإنني أصلّي”.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس