ترك برس
على عكس المعتاد في الكثير من البلدان العربية، يتمتع مختار الحي في تركيا بأهمية رسمية، حيث يتم انتخابه بشكل مباشر من قبل الشعب خلال الانتخابات البلدية، ويملك مكتباً رسمياً يكون جسر تواصل بين سكان الحي والسلطات العليا في الدولة.
"مختار" (Muhtar) هي كلمة عربية الأصل تعني الشخص الذي يجتمع الناس على اختياره وتقديمه عليهم، ولا تزال هذه المهمة تحافظ على وجودها في تركيا وبلاد عربية وإسلامية في المنطقة.
وفي إطار تسليط الضوء عن قرب على هذا المنصب، التقت شبكة الجزيرة القطرية شانول بالجون، مختار حي أتاتورك بمنطقة كوتشوك تشكمجة في ولاية إسطنبول في مكتبه بأحد أحياء إسطنبول للتعرف عن قرب عن مهمة "المختار" وطبيعة العمل الذي يقوم به في عصر الذكاء الاصطناعي وفي زمن يشتعل فيه السباق الانتخابي للفوز ببلديات الولاية وبلديتها الكبرى.
يقول بالجون الذي يكمل عقدا كاملا في هذا المنصب: "لا يزال المختار في بلدنا يحتل مكانا مهما، وهو موجود كجزء أساسي في كل حي من الأحياء والقرى، وتطور دوره بتطور المجتمع وتغيرات الحياة".
جسر واصل
ويؤكد بالجون أنه رغم تطور الحياة ونظام الحكم الذي وصل لنظام الحكومة الإلكترونية؛ ظل المختار هو الجسر الواصل بين المواطن والدولة ومؤسساتها. ويضيف أن المختار هو المقام الأقرب والعارف بالمجتمع والمواطن، والأكثر قدرة على التواصل وحل تعقيدات كثيرة عبر خلطة تجمع ما بين النظام والعرف.
ويرى أن المختار هو المقام "الأكثر ديمقراطية" في البلاد لأنه يُنتخب من قبل سكان الحي بشكل مباشر بناء على معرفة ومعايشة حقيقية، ويستطيع الجميع أن يترشحوا ويتنافسوا بدون أي تدخل أو اتباع لون سياسي ما، على أن يكون المترشح من سكان المنطقة لمدة لا تقل عن 6 أشهر.
ويوضح أنه لا مجال للسياسة في عمل المختار، ولا يوجد أي دور حزبي في الترشح أو العمل، ويؤكد أن الخدمة والتعامل مع متطلبات السكان ومشاكلهم هي معيار النجاح، وأي شخص في الحي يمكنه المنافسة مع فريقه -مجلس حكماء المختار أو "أزالار"- المكون من 4 مساعدين أساسين، ومثلهم احتياط.
وبشأن مهام المختار، يقول بالجون: "نحن صوت الناس أمام الدولة ومنصة التواصل بينهم وبين كل المؤسسات الرسمية، ونوجد في كل مناحي الحياة الخاصة بالمواطن. وتتنوع خدماتنا بتنوع تفاصيل حياة المواطن ومتطلباته مثل متابعات إدارية، وصحية، وتعليمية، وخدماتية وبلديات، وأمنية، واجتماعية، وأي طلب يلبي حاجة المواطن نحمله للجهات المختصة ونسعى لتأمينه ومتابعته".
ويتابع: "هذه الدورة الثانية لي في هذا المنصب تدوم كل دورة 5 سنوات وبدون حد أعلى لها، وأعيش في الحي ذاته وبين الناس، فمن واجبي أن أكون موجودا ومكتبي وهاتفي مفتوحان للجميع، وأنا متاح وفاعل عبر جميع منصات التواصل الاجتماعي".
فوق السياسة
ويعتقد بالجون أن المختار مهمة مجتمعية بحتة ومكانة وازنة فوق السياسة، ويؤكد ضرورة ألا يدخل المختار في أي تجاذب أو حسابات سياسية، وأن يبقى مظلة جامعة للكل.
ويقول المختار الذي شارك مؤخرا في اجتماع دعا له الرئيس رجب طيب أردوغان في العاصمة أنقرة للقاء المخاتير في البلاد: "تعاملت مع رؤساء بلديات من أحزاب مختلفة، وشاركت في لقاءات كثيرة لكل الألوان السياسية، وما يجعل المختار الصوت الأكثر حرية في التعبير عن هم المواطن، أنه بعيد عن أي لون سياسي وأنه منصب فوق السياسة".
في السياق، تقول الكاتبة والصحفية، أرزوا أردورال، إن المختار هو شخص يتم اختياره لتولي أمور ومسؤوليات القرية أو الحي بعيدا عن التفاعلات السياسية في البلاد، وبينت أن المختار ومهامه يختلفان لحد كبير بين المدن والقرى.
وقالت للجزيرة نت: "في الأحياء الكبرى قد لا تعرف اسم مختار المنطقة التي تسكن فيها، لكن في القرى يُعتبر المختار شخصا مهما وصاحب تأثير، وهذا الدور خاصة في القرى والأحياء الأقل ضجة يمنح المختار فرصة للعمل وفق طابع سياسي، وتسعى الأحزاب لجمع أصوات مستفيدة من حضوره وثقله المجتمعي".
أما المختار بالجون فيقول: "قد يكون لأي مختار توجهات سياسية، لكن عليه الفصل بينها وبين مهمة المختار التي من الصعب أن تنجح إذا تحولت لحسابات سياسية وحزبية ضيقة مهما اتسعت".
وأشار إلى وجود نماذج حية حول استخدام وتوظيف المختار لمكانته في حسابات ومكتسبات سياسية حزبية، وقال إن مثل هذه المغامرات تنجح في مناطق ذات طابع ومكون ديمغرافي وسياسي معين. وأضاف: "لكن النجاح لا يدوم، ويحوّل المختار من شيء فوق السياسة إلى أداة من أدواتها تغيب مع أول متغير وتفقد ثقة الجمهور وتأييده".
دور سياسي
وحول فكرة زيادة محاولات التأثير على الناخب؛ وضحت الكاتبة التركية أنه ورغم تعقيدات نظام "المخترة" وخصوصياته إلا أن الدور السياسي للمختار يرتفع في القرى، والأحياء، والمدن الأقل حجما وازدحاما.
وتابعت: "في تلك الظروف يكون المختار موجها وصانع مسارات من الدرجة الأولى بالنسبة للجمهور، وهنا يبرز شكل الوعود التي يقوم عبرها المختار بتبني برامج ووعود حزب ما ويمررها للجمهور كبرنامج هو جزء منه".
وخلصت أرزوا إلى أن أي منصب قيادي أو إداري، حتى وإن كانت له مهام معلومة ومحددة، إلا أنه قد يُوظف كأداة توجيه وإقناع للجمهور وفق وجهة نظر لون سياسي ما، ويزداد الحرص على الاستفادة من هذه الأداة في مواسم وحملات الانتخابات المختلفة وحسب المناطق والجمهور المستهدف.
وختمت: "يمكن أن نرى دور المختار في الانتخابات أيضا من خلال اهتمام وحرص كل الأطراف على التواصل معه، ودعوته للاستماع له، وزيارته للتواصل والوصول عبره لفئات وجمهور أوسع، حتى إن البعض يذهب لدراسات واقع الجمهور، وتحديد خطة حملته عبر الجلسات والتشاورات مع المخاتير".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!