ترك برس
قال عمر أونهون، آخر سفير تركي في دمشق، إن بلاده توسع دورها في منطقة القرن الإفريقي، مستشهداً على ذلك بأحدث خطوة لأنقرة في هذا الإطار، وهو إبرام اتفاق دفاعي وأمني بحري مع الصومال، أحد أبرز دول تلك المنطقة.
الدبلوماسي التركي أشار في مقال له على موقع "المجلة" إلى أنه في يناير/كانون الثاني من هذا العام، قامت إثيوبيا وأرض الصومال بتوقيع مذكرة تفاهم رسمية، في خطوة أعقبها مباشرة اتفاق منفصل بين تركيا والصومال. أضافت هذه التطورات طبقات من التعقيد إلى الديناميكيات المعقدة بالفعل في منطقة القرن الأفريقي، وهي منطقة تشتهر بأهميتها الاستراتيجية وتقلباتها التاريخية.
وأضاف أن "القرن الأفريقي يشكّل مثالا رئيسا على وقوع المناطق التي تتمتع بقيمة جيواستراتيجية وموارد طبيعية في كثير من الأحيان ضحية لمزاياها الخاصة. وتتعزز أهمية هذه المنطقة من خلال دورها الحاسم في السلامة البحرية والوصول إلى البحر. ويتعامل مضيق باب المندب- البوابة الجنوبية لأقصر طريق بحري بين أوروبا وآسيا- مع ما يقرب من 12 في المئة من التجارة العالمية. سوى أن أهميته تلك جعلته أيضا هدفا للقرصنة والهجمات التي يشنها الحوثيون على السفن التي تنقل السلع الاستهلاكية وموارد الطاقة."
وفيما يلي النص الكامل للمقال:
لقد جذبت أهمية هذه المنطقة انتباه القوى الاستعمارية والمصالح الدولية لعدة قرون. وأدى "التدافع من أجل أفريقيا" في القرن التاسع عشر إلى قيام الدول الأوروبية بتقسيم القارة واستعمارها. وعندما بدأت الدول الأفريقية في تأكيد استقلالها خلال الستينات، واجهت مهمة شاقة تتمثل في استعادة الأراضي التي استولت عليها سابقًا، مما أثار في كثير من الأحيان نزاعات وصراعات مع مطالبات متنافسة.
وما الصراعات بين الصومال وأرض الصومال، وبين إثيوبيا وإريتريا سوى مثالين على ذلك. لقد جرّد انفصال إريتريا عام 1993 إثيوبيا من كامل ساحلها الذي يبلغ طوله أكثر من 800 كيلومتر، مما حولها إلى أكبر دولة غير ساحلية من حيث عدد السكان في العالم.
ومن غير المفهوم حقا كيف كان لإثيوبيا أن تقبل مثل هذا الشرط؟ ولماذا لم تتمكن من التمسك حتى ببضعة كيلومترات من الساحل، ولكن مهما كان السبب، فإن الحكام الإثيوبيين اليوم يتخذون خطوات لتصحيح أخطاء الحكام الإثيوبيين آنذاك.
وقد أبرمت إثيوبيا اتفاقا مع جيبوتي، يسمح لها باستخدام ميناء بربرة، لكن هذا لا يعني أنها تتمتع بساحلها ومينائها الخاصين. وفي إطار سعيها للحصول على منفذ دائم إلى البحر، وقعت إثيوبيا اتفاقا مع أرض الصومال في يناير/كانون الثاني 2024، ووعدت في المقابل بالاعتراف بها كدولة مستقلة.
وأعلنت أرض الصومال، وهي مستعمرة بريطانية سابقة، استقلالها من جانب واحد عام 1991، ولم يعترف بها أحد منذ ذلك الحين. وبدهي أن الصومال لم تتقبل أنباء الانفصال بشكل جيد ولأسباب واضحة، ولم تكن في ذلك وحدها، فقد أعرب بقية المجتمع الدولي، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي، عن قلقه من أن يؤدي ذلك إلى تأجيج التوترات. وحتى سكان أرض الصومال ليسوا جميعا راضين عن ذلك، وقد استقال وزير الدفاع احتجاجا على الانفصال.
وتعد الصومال واحدة من الجهات الفاعلة الرئيسة في المنطقة. فساحلها الذي يبلغ طوله 3300 كيلومتر يجعل من الصومال دولة ذات واحدة من أكبر المناطق الاقتصادية الخالصة في أفريقيا وهي غنية بالنفط البري والبحري ومصائد الأسماك وكذلك المعادن.
ولكن ذلك لم يمنع وقوع المجاعة والجفاف ومختلف المشاكل الأخرى، بما في ذلك تدهور الأمن، فالصومال لم تتمكن من الاستفادة من مواردها وهي تحتل المرتبة الحادية عشرة بين أفقر دول العالم.
وقادت "حركة الشباب"، التابعة لتنظيم "القاعدة"، البلاد إلى الفوضى والدمار في التسعينات. وجعل الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود من أولوياته القضاء على "حركة الشباب" وحقق بعض النجاحات، لكن المنظمة الإرهابية لا تزال تحتفظ بقدراتها. وتتمتع بالسيطرة الإقليمية على أجزاء من وسط وجنوب الصومال، وتنفذ هجمات إرهابية في جميع أنحاء البلاد، خاصة في العاصمة مقديشو وما حولها.
وقد استفادت الصومال من دعم الكثير من الدول، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة وتركيا، من خلال اتفاقات تهدف إلى تعزيز القدرات العملياتية لجيشه. ويشكل هذا الدعم أمرا بالغ الأهمية حيث من المقرر أن يتولى الجيش الصومالي مسؤوليات متزايدة بعد الانسحاب المقرر لبعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية بحلول نهاية عام 2024.
وبرزت تركيا مؤخرا كشريك مهم في أفريقيا، وخاصة في الصومال، حيث ميزت نفسها من خلال نموذج الشراكة القائم على المنفعة المتبادلة. ويتناقض هذا النهج، كما يقول رجل أعمال تركي له مصالح في جميع أنحاء أفريقيا، بشكل حاد مع العلاقات الاستغلالية التي ميزت الحكم الاستعماري. وقد لقيت الزيارات الرسمية رفيعة المستوى التي قام بها القادة الأتراك- في الوقت الذي كان الآخرون يتجنبون الصومال، والمشاركة النشطة في التنمية الاقتصادية للبلاد- لقيت استقبالا حسنا وساهمت في تقدم العلاقات الثنائية إلى حد كبير.
إن حاجة الصومال لإطار مؤسسي وتطوير البنية التحتية حاجة عميقة، وقد أعربت تركيا عن حرصها على المساعدة في هذه المجالات. وتقوم الشركات التركية حاليا بتشغيل مطار مقديشو الدولي والميناء، بينما توفر الخطوط الجوية التركية اتصالا واسع النطاق بمقديشو، مما يسلط الضوء على المشاركة النشطة لتركيا في كل من القطاعين المدني والدفاعي في الصومال.
وبموجب اتفاق التدريب والتعاون العسكري الموقع عام 2012، بدأت قيادة فرقة العمل التركية في الصومال عملياتها من قاعدتها في مقديشو، مما أدى إلى تعزيز القدرات القتالية للجيش الصومالي. ويهدف "الاتفاق الإطاري للتعاون الدفاعي والاقتصادي" الأخير بين تركيا والصومال، الموقع في 8 فبراير/شباط 2024، إلى رفع مستوى هذا التعاون بشكل أكبر. وعلى الرغم من عدم الكشف عن الشروط المحددة للاتفاق حتى الآن، فمن المعروف أنها تشمل عناصر دفاعية واقتصادية تهدف إلى تنمية الصومال وبناء الدولة.
وقد حدد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود تركيز الاتفاق على مكافحة الإرهاب والتهديدات الخارجية والقرصنة والصيد غير المشروع وحماية السواحل وتنمية الموارد البحرية. ومع عدم وجود قوة بحرية خاصة به، يهدف الصومال إلى بناء قدرات بحرية، معتمدا على الدعم التركي لحماية حقوقه البحرية في هذه الأثناء.
وتم التصديق على الاتفاق في الصومال، وما زالت عملية التصديق في تركيا معلقة. وتؤكد الاجتماعات رفيعة المستوى، بما في ذلك اللقاء الأخير بين الرئيس أردوغان والرئيس محمود في منتدى أنطاليا الدبلوماسي، ومذكرة التفاهم اللاحقة بشأن التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي، على تعميق العلاقات والمصالح المشتركة بين البلدين.
ولا شك أن أصحاب المصلحة الآخرين يتابعون هذه التطورات عن كثب، سواء كانت لهم مصالح متضاربة أو متداخلة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!