ترك برس
في خضمّ التطورات الإقليمية والدولية الساخنة والمتسارعة، فاجأت تركيا والصومال العالم بتوقيع "اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي"، الأمر الذي أثار تساؤلات حول الغرض والتوقيت، لا سيما وأنه يتزامن مع التحركات المكثفة التي يشهدها البحر الأحمر منذ الحرب الأخيرة على غزة واستهداف الحوثي اليمني السفن الإسرائيلية والأمريكية.
وفي تقريره الذي نشرته صحيفة "ديريليش" التركية، قال الكاتب حيدر عروج إنه في خضم كل هذه الضبابية، جاءت أقوى معارضة لإسرائيل من الحوثيين في اليمن، الذين طالبوا بوقف هجمات إسرائيل على غزة مهدّدين بعدم السماح للسفن المرتبطة بإسرائيل بالمرور عبر البحر الأحمر إذا لم يتم ذلك.
ومنذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، نفّذ الحوثيون تهديدهم وشنّوا هجمات على السفن التي حدّدوا أنها متجهة إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر، مما أدّى إلى تحويل أنظار العالم إلى هذه المنطقة.
وفي مثل هذه الأجواء، أُعلن عن توقيع وزيري الدفاع التركي والصومالي "اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي" في أنقرة في 8 فبراير/شباط 2024. وفي 21 من الشهر نفسه، أُعلن عن موافقة مجلس الوزراء الصومالي، ثم البرلمان، على هذه الاتفاقية.
والآن، يتساءل بعض المحللين عن توقيت عرض تركيا هذه الاتفاقية على برلمانها، ووضعها موضع التنفيذ.
وذكر تقرير الصحيفة أن علاقات تركيا مع الصومال ليست حديثة العهد. وفي أصعب الأوقات، دعمت تركيا الصومال وقدمت إسهامات مهمة. لكن توقيع مثل هذه الاتفاقية، خاصة في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة تطورات ساخنة للغاية، أثار أسئلة؛ مثل: "لماذا الآن؟"
وبيّن الكاتب أن علاقات تركيا السلمية مع جميع الفاعلين في القرن الأفريقي، الذي يضم: الصومال وإثيوبيا وإريتريا وجيبوتي، ساعدت في القضاء على التهديدات التي واجهتها هذه الدول في الماضي، وكذلك حل العديد من المشكلات الناشئة فيما بينها.
وعند الحديث عن اتفاقية تركيا والصومال اليوم يجب عدم ربطها بعامل واحد فقط، لكن يمكن القول إن أهم دافع هو الاتفاقية التي وقّعت بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال في 1 فبراير/شباط 2024.
ولا تزال أرض الصومال جزءا من الصومال، ولم تعترف بها رسميا أي دولة حتى الآن، بالرغم من إعلانها الاستقلال من جانب واحد.
وعدّ الصومال اتفاقية إثيوبيا مع أرض الصومال للوصول إلى البحر بدلا من جيبوتي، حيث ترسو البحرية الإثيوبية مؤقتا، عدائية ما أدى إلى رغبة الصومال في الإرسال برسالة إلى خصمه من خلال توقيع اتفاقية دفاعية مع جهة فاعلة مثل تركيا؛ لمنع مثل هذه العملية التي قد تؤدي إلى الاعتراف بأرض الصومال، بحسب ما نقله تقرير لـ "الجزيرة نت".
ويُعتقد أن هذه الخطوة ستجعل إثيوبيا تعيد النظر في قرارها، بل قد تدفعها إلى إبرام اتفاق مباشر مع الصومال للوصول إلى البحر الذي تحتاجه، ربما بوساطة تركية. ويمكن القول -أيضا- إن تركيا طرف في هذه الاتفاقية للحفاظ على مصالحها في المنطقة وحماية نفسها من أي أحداث مفاجئة؛ بسبب التطورات في مضيق باب المندب والبحر الأحمر.
وأشار التقرير إلى أن الصومال حاول التخلص من مشاكله والعودة إلى المسار الصحيح بتوقيع اتفاقيات مماثلة مع الولايات المتحدة ومصر والإمارات وقطر والسعودية قبل تركيا، لكن لم يصل أي منها إلى مستوى الموافقة البرلمانية. بالإضافة إلى ذلك، لم تكن الاتفاقيات السابقة مفصّلة مثل تلك التي أُبرمت مع تركيا. لذلك تختلف اتفاقية تركيا والصومال عن الاتفاقيات الأخرى.
وأوضح الكاتب أنه بالرغم من عدم مشاركة محتوى الاتفاقية رسميا، فإن المعلومات التي سُرّبت إلى وسائل الإعلام تفيد بأن الاتفاقية تمتد مبدئيا لـ10 سنوات.
اتفاقية إطارية
وكما هو واضح من اسمها ومحتواها، فهذه الاتفاقية هي "اتفاقية إطارية"، ويجب استكمال تفاصيلها. ولتحقيق ذلك، يجب أن يصدّق عليها البرلمان التركي لتدخل حيز التنفيذ، ثم تحديد ما سيتم القيام به وكيف سيتم من خلال اتفاقيات مختلفة.
وأفاد التقرير أنه بعد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا في 2019، وقّعت تركيا مذكرة تفاهم في أكتوبر/تشرين الأول 2022 للبحث والتنقيب عن موارد النفط والهيدروكربونات في الأراضي الليبية والجرف القاري. ولذا، من الممكن تطبيق عملية مماثلة مع الصومال في الأيام القادمة.
وأشار الكاتب إلى أن هناك شيئا واحدا مؤكدا وهو أن تركيا ستصبح بموجب هذه الاتفاقية أكثر وضوحا في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي. وستنشئ تركيا -كذلك- أسطول دولة أخرى لأول مرة من الصفر.
وبعبارة أخرى، بينما ستدرّب تركيا البحارة الصوماليين، ستوجّه إمكانات صناعتها الدفاعية المتزايدة إلى هناك، لبناء سفن جديدة ومنشآت دفاعية ومواني وربما أحواض بناء سفن للصومال.
وستتعاون تركيا مع الصومال على مدار 10 سنوات لحماية المياه الإقليمية الصومالية من القرصنة والتهريب والإرهاب والصيد الجائر، وكذلك البحث والتنقيب عن موارد الهيدروكربونات.
وأوضح الكاتب أن تقارب تركيا مع دول أفريقيا لا يشبه الدول الإمبريالية الغربية، التي تخلق المشكلات بين دول المنطقة وتدفعها إلى الصراع، ثم تبيع الأسلحة لهذه الدول وتستغل مواردها وتجعلها تابعة لها، بل على العكس من ذلك تفضّل تركيا التعاون بصيغة "تبادل النفع" لكلا الطرفين.
وبطبيعة الحال، ستستفيد تركيا -أيضا- من هذه العملية؛ حيث إنها ستعزز موقعها الإقليمي والعالمي، وتصبح أكثر نفوذا في النظام العالمي. وفي المقابل، ستتيح لشركائها -كذلك- الاستفادة من هذا التعاون وضمان حصولهم على نصيبهم العادل من الرخاء الذي سيتحقق، حسب الكاتب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!