ترك برس
رأى الكاتب والمحلل السياسي التركي إسماعيل ياشا، أن توقيع الاتفاقيات بين تركيا والعراق لا يعني بالضرورة أنها سيتم تطبيقها، فهناك معوقات، مثل النفوذ الإيراني والنفوذ الأمريكي، قد تجعل كافة تلك الاتفاقيات حبرا على ورق.
وتناول ياشا في مقال تحليلي الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الاثنين الماضي، إلى بغداد، تلبية لدعوة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وصفتها معظم وسائل الإعلام التركية بــ"التاريخية"، كما عبر أردوغان عن أمله في أن تشكل زيارته إلى العراق والاتفاقيات المبرمة بين البلدين، "بداية انطلاقة جديدة" لعلاقاتهما الثنائية.
وذكر ياشا في مقاله بصحيفة "عربي21" أن أنقرة وبغداد وقعتا 26 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات مختلفة خلال زيارة رئيس الجمهورية التركي للعاصمة العراقية. ومما لا شك فيه أن ملف الأمن ومكافحة حزب العمال الكردستاني كان الأهم من بين كافة الملفات، في ظل استعداد الجيش التركي لإطلاق عملية عسكرية واسعة في الأيام القادمة ألمح إليها أردوغان الشهر الماضي، حين صرح بأن القوات التركية على وشك استكمال الدائرة التي ستؤمن حدود بلاده مع العراق، وأنهم سيحلون المشكلة نهائيا في هذا الصيف.
وأوضح أن العراق سبق أن أعلن حزب العمال الكردستاني "تنظيما محظورا"، كما أن المسؤولين العراقيين يؤكدون أنه من غير المقبول استخدام الأراضي العراقية منطلقا للهجمات الإرهابية التي تستهدف الدولة الجارة. ورحبت أنقرة بتلك الخطوة، إلا أنها لا تراها "كافية"، بل إنها تطالب بغداد بأن تصنف حزب العمال الكردستاني ضمن التنظيمات الإرهابية، وأن تقوم بما يترتب على ذلك من تنسيق وتعاون في مكافحتها. وهذا ما أشار إليه أردوغان في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده مع السوداني، حيث قال إنه يأمل في أن يتم إعلان حزب العمال الكردستاني "تنظيما إرهابيا" بشكل رسمي، لإنهاء وجوده في الأراضي العراقية في أقرب وقت.
وبحسب ياشا، فإن الحدث الأهم الذي شهدته زيارة أردوغان إلى العراق هو توقيع مذكرة تفاهم رباعية أبرمتها كل من تركيا والعراق وقطر والإمارات حول مشروع "طريق التنمية" الذي سيربط الخليج العربي بأوروبا عبر الأراضي العراقية والتركية، وهو مشروع استراتيجي سيقدم للعالم، في حال تم إنجازه، ممرا تجاريا جديدا بين آسيا وأوروبا، وسيحقق مكاسب عديدة لدول المنطقة، ومن المؤكد أن استثمار قطر والإمارات في هذا المشروع سيسهل استكماله.
وتابع المقال:
العراق يعاني من أزمة الجفاف وشح المياه، ويطالب تركيا بأن تزيد من كميات المياه التي تتدفق إليه عبر نهري الفرات ودجلة. وخلال زيارة أردوغان، تم توقيع اتفاق إطاري للتعاون في مجال المياه بين البلدين. إلا أن تركيا هي الأخرى تعاني من انخفاض منسوب مياه النهرين بسبب قلة الأمطار وتغير المناخ، وتؤكد أن حل الأزمة يكمن في معالجة ظاهرة هدر المياه وعدم ترشيد استهلاكها، بدلا من مطالبة تركيا التي لا تعد من الدول الغنية بالموارد المائية، بالتخلي عن حصتها من مياه النهرين لتزداد حصة العراق.
رئيس الجمهورية التركي التقى في بغداد نظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، ولا يخفى على المتأمل في الصور التي تم التقاطها أثناء اللقاء، أن رئيس الجمهورية العراقي كان يبدو منزعجا من زيارة أردوغان. وهذا أمر طبيعي، لأن الرئيس العراقي الكردي ابن مدينة السليمانية، وينتمي إلى حزب عائلة طالباني، الاتحاد الوطني الكردستاني، وأن زيارة أردوغان جاءت في الوقت الذي تفرض فيه تركيا عقوبات على السليمانية، وتغلق مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية المتجهة إليها، بسبب الدعم الذي يقدمه رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، بافل طالباني، إلى حزب العمال الكردستاني، كما أن الزيارة تهدف إلى تعزيز التنسيق والتعاون بين تركيا والعراق في محاربة التنظيم الكردي الانفصالي الذي زادت أنشطته في مدينة السليمانية في الآونة الأخيرة.
أردوغان قام بزيارة عاصمة إقليم كردستان العراق، أربيل، في طريق عودته إلى تركيا، وتم استقباله فيها بحفاوة، حيث تزينت شوارع المدينة بالأعلام التركية، كما تمت إضاءة قلعة أربيل التاريخية بألوان العلم التركي، الأمر الذي أثار غضب مؤيدي حزب العمال الكردستاني. وتبعث زيارة أردوغان لأربيل رسالة مفادها أن تركيا لن تستهدف الأكراد في العملية العسكرية المرتقبة، بل ستستهدف عناصر المنظمة الإرهابية.
رئيس الجمهورية التركي استقبل في العاصمة العراقية قادة العرب السنة، على رأسهم رئيس مجلس النواب العراقي السابق محمد الحلبوسي، ورئيس حزب السيادة خميس الخنجر، كما أنه استقبل وفدا من ممثلي التركمان. ومن المؤكد أن تعزيز العلاقات بين تركيا والمكونات العراقية المقربة منها، سيعزز ثقل الدور التركي في العراق والتوازنات الإقليمية.
زيارة أردوغان فتحت الباب أمام نقل العلاقات بين تركيا والعراق إلى مستويات متقدمة، كما تتطلع إليه القيادة التركية. وسيكشف تطبيق الاتفاقيات المبرمة وتعاون بغداد مع أنقرة في محاربة حزب العمال الكردستاني مدى تحقيق تلك التطلعات؛ لأن توقيع الاتفاقيات لا يعني بالضرورة أنه سيتم تطبيقها، وأن هناك معوقات، مثل النفوذ الإيراني والنفوذ الأمريكي، قد تجعل كافة تلك الاتفاقيات حبرا على ورق.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!