ترك برس
رأى الخبير والمحلل السياسي التركي يحيى بستان، أن العلاقة التي طورتها أنقرة مع بغداد تعد بالغة الأهمية، وتمثل ردا استراتيجيا على محاولات محاصرة تركيا بالإرهابيين من جميع الجهات؛ "فقد لاحظت أنقرة تحركات القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) في المنطقة، واتخذت خطوات مضادة، سأشرح في ما يلي ما إذا كانت فعالة أم لا".
وقال بستان إن بدء عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق بدفع من روسيا كان قد أحدث خللا في الوضع الراهن بسوريا، وقلب الموازين. وكان هدف هذه العملية هو إرساء واقع جديد في سوريا دون مشاركة أمريكية. لكن القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) ردت على ذلك من خلال توحيد العناصر الإرهابية في شمال سوريا والعراق وتوسيع نطاق نفوذها. فكيف قامت بذلك؟ بدأت رحلات جوية بين قنديل وسوريا. ونقلت أعضاء منظمات إرهابية على متن طائراتها الخاصة. وقدمت طائرات هليكوبتر للتنظيمات الإرهابية عبر طالباني.
وأضاف في مقال بصحيفة يني شفق: لنفتح قوساً هنا، لقد تغيرت الأمور كثيرا منذ ذلك الحين. واليوم تسعى وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) إلى الانسحاب من سوريا وصب تركيزها على الصين. وفي هذا الإطار، تُبذل جهود دبلوماسية مكثفة في المنطقة. فالولايات المتحدة تخطط لتشكيل تحالف من دول الخليج العربي بقيادة المملكة العربية السعودية. وبالتالي تحقيق التوازن مع إيران التي تعتبرها "أمير التخوم " بالنسبة لإيران وضمان أمن إسرائيل، ومن ثم الانسحاب من المنطقة.
وتعرض الولايات المتحدة على هذا التحالف حزمة تشمل: مفاوضات حل الدولتين في فلسطين، والتطبيع مع إسرائيل، واتفاقية تعاون أمني، وحزمة نقل تكنولوجيا الطاقة النووية المدنية. وتتوقع من أنقرة دعم هذا التشكيل. ومن حهة أخرى تطالب دول الخليج العربي واشنطن بنفس حزمة الضمانات المقدمة لإسرائيل مقابل دورها في المنطقة. ولا تزال القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) ملتزمة بخطة سوريا والعراق، على الرغم من الجهود التي تبذلها وزارة الخارجية الأمريكية والمخابرات المركزية الأمريكية (CIA) لتنفيذ هذه العملية. وهناك خطط مختلفة قيد التنفيذ في الولايات المتحدة. فما يقال لا يتطابق مع ما ينفذ. لنغلق القوس هنا ونواصل.
وبحسب الكاتب، جاء رد أنقرة على خطوة سنتكوم من خلال زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان للعراق في أغسطس 2023. وكان لهذه العملية التي بدأتها أنقرة مع العراق ثلاثة أهداف رئيسية:
1. السيطرة على الحدود السورية العراقية وإفشال خطة "سنتكوم" لتوسيع نطاق الإرهاب.
2. القضاء على وجود تنظيم "بي كي كي" الإرهابي في العراق، ليتسنى التركيز على سوريا.
3. ضمان تحقيق جميع هذه الخطوات من خلال "مشروع التنمية" الذي يعد مشروعا أمنيا في جوهره، وسيساهم في تنمية العراق وتحقيق مكاسب لبغداد.
وتلا زيارة فيدان زيارات أخرى إلى بغداد من قبل وزير الدفاع الوطني يشار جولر ورئيس المخابرات التركية إبراهيم كالين.
خطوة أخرى تُقرِّب من الأهداف
شكلت الزيارة الرئاسية التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بغداد وأربيل خطوة هامة أخرى نحو تحقيق الأهداف التي تسعى إليها تركيا في العراق. وبالرغم من وجود بعض القضايا التي لا تزال بحاجة إلى مزيد من النضج، إلا أنه يمكننا استخلاص الملاحظات التالية فيما يتعلق بالأهداف الثلاثة الرئيسية:
الأول: تم توجيه ضربة قوية لمشروع "سنتكوم" التوسعي للإرهاب الذي يشمل شمال سوريا والعراق. بل يمكن القول إن المشروع قد انهار. وتم التوصل إلى اتفاق مع بغداد بشأن السيطرة على الحدود السورية العراقية ومنع عبور الإرهابيين. وتولي بغداد أهمية كبيرة لهذا الموضوع، أي أمن الحدود. بل تنظر إلى العلاقات مع أنقرة من منظور أمن الحدود وقضية المياه ومشروع "طريق التنمية". كما أكد رئيس الوزراء العراقي السوداني على أهمية أمن الحدود قائلا: "أمن العراق وتركيا هو وحدة لا تتجزأ." ولتحقيق ذلك يجب على بغداد السيطرة على بافل طالباني.
الثاني: لا نزال نتحدث لغة مختلفة مع العراق بشأن مكافحة الإرهاب. لكن تم قطع شوط كبير نحو إيجاد لغة مشتركة. فقد أعلنت العراق "بي كي كي" تنظيما محظورا.
وتابع المقال:
تعد هذه المرحلة في غاية الأهمية، ولكن أنقرة تسعى أيضا للحصول على قرار من البرلمان العراقي بتصنيف "بي كي كي" كتنظيم إرهابي. والعراق غير مستعد لذلك حتى الآن. أما الأسباب فهي: لا ترغب إيران في صدور هذا القرار. والديناميكيات الداخلية للعراق كالحشد الشعبي وغيرها من المجموعات غير مستعدة لهذا القرار. وهناك قلق من حدوث اضطرابات في البلاد. وتتأثر بغداد بتحذيرات أطراف ثالثة من أن "هذا القرار سيجعل العمليات التركية في العراق دائمة".
وتسعى بغداد إلى عقد اتفاق مع تركيا مشابه لاتفاقها مع إيران. وتخطط لتقييد أنشطة "بي كي كي" دون تصنيفه كتنظيم إرهابي. وعرض المتحدث باسم الحكومة العراقية العوادي خطة لإعتبار كل عضو في تنظيم "بي كي كي" الإرهابي لاجئا سياسيا في العراق، ولكن لن يكون لهم الحق في ممارسة أنشطة سياسية أو عسكرية أو حمل السلاح"، موكدا بذلك على هدف تجريد تنظيم "بي كي كي" الإرهابي من السلاح.
لا يفيد هذا النهج سوى بإعطاء تنظيم "بي كي كي" الإرهابي المزيد من الوقت. لذلك تحتفظ أنقرة بحقها في شن عمليات عسكرية. وتهدف إلى إغلاق الحدود الشمالية للعراق خلال فصل الصيف. وفي هذا السياق من الضروري أيضا مناقشة التعاون في مكافحة الإرهاب، بما في ذلك المناقشات حول العمليات المشتركة ومركز العمليات المشترك المخطط لإنشائه بين البلدين.
تم إدراج مركز العمليات المشترك في إطار الاتفاق الاستراتيجي. وتجري حاليا مناقشات حول مكان إنشاء هذا المركز، وتحديد مهام عمله، وعدد الأشخاص الذين سيعملون فيه، وغيرها من التفاصيل. وتعد هذه مرحلة مهمة للغاية. ولكن هناك اختلافات طفيفة في توقعات أنقرة وبغداد من مركز العمليات.
يرغب الجانب العراقي في إنشاء مركز عمليات يركز على أمن الحدود لحماية حدوده. بينما تركز أنقرة على تعاون أوسع نطاقا يتجاوز أمن الحدود ليشمل تنسيق العمليات في شمال العراق، وضمان سلامة المدنيين، ومنع عبور الإرهابيين، وتبادل المعلومات الاستخباراتية بشأن الإجراءات المتخذة في مناطق مثل قنديل، ومخمور، وسنجار، وحدود سوريا.
من المهم التأكيد على أن نطاق مركز العمليات المشترك، الذي سيتم تحديده قريبا، لن يؤثر على العمليات العسكرية المتوقعة من قبل تركيا ضد الإرهاب. فإنشاء مركز العمليات وخطط العمليات التركية مسألتان منفصلتان. وفي هذا الإطار تولي أنقرة أهمية لدعم وتعاون بغداد، لكنها لا تريد أن يعيقها أحد. إن قول الرئيس أردوغان: "سنقضي على الإرهاب مهما كلف الأمر" يحمل دلالة واضحة على ذلك.
الثالث : تم توقيع مشروع "طريق التنمية" خلال زيارة أردوغان إلى بغداد من قِبل أربع دول هي تركيا والعراق والإمارات العربية المتحدة وقطر. أي أن المشروع قد دخل حيز التنفيذ. وهذا مشروع حيوي للغاية، سيساهم في تحقيق الرفاهية للعراق وتركيا والاستقرار في المنطقة. وبمجرد تنفيذ المشروع سيصبح بمثابة الرابط الاقتصادي والسياسي للنموذج الأمني الذي ذكرته سابقا.
يخبرنا هذا المشهد أن الجانب العراقي من المشروع الإرهابي التوسعي قد انهار. وسنرى ذلك بوضوح أكبر عندما يتم تنفيذ "طريق التنمية". أما الجانب السوري من المسألة فهو موضوع آخر للنقاش. ومن المعروف أن الولايات المتحدة تريد معالجة القضية من منظور إقليمي أوسع. وفي هذا الإطار استؤنفت محادثات مكافحة الإرهاب بين الولايات المتحدة وتركيا. وعُقدَ الاجتماع الأول في أنقرة في الأيام الماضية. يجب أيضا متابعة هذه العملية عن كثب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!