ترك برس
مشروع استراتيجي جديد يربط أوروبا بالخليج العربي، مروراً بالعراق وتركيا، أُعلن عنه مؤخراً في العاصمة العراقية بغداد، ليكون بذلك منافساً لـ"الممر الاقتصادي" الذي أُعلن عنه في سبتمبر الماضي ليربط بين الهند وأوروبا دون أن تكون تركيا فيه شريكاً، الأمر الذي يطرح تساؤلات عما إذا كان المشروع التركي العراق متمم لـ "الممر الاقتصادي" أم منافس وبديل له؟
ولا يخرج مشروع "طريق التنمية" الوليد، وفق خبراء، عن سياق التنافس الصيني الأمريكي؛ لكونه يسهل عبور البضائع الصينية نحو أوروبا في مقابل الممر الاقتصادي الذي أرادته الولايات المتحدة منافساً لطريق الحرير الصيني.
وفي المقابل تجد دول مثل قطر والعراق وتركيا، في "طريق التنمية" فرصة لتعزيز علاقاتها التجارية، ولا سيما أنها استبعدت من الممر الاقتصادي يمر عبر الإمارات والسعودية والأردن و"إسرائيل" وصولاً إلى أوروبا، بحسب تقرير لـ "خليج أونلاين".
واللافت مشاركة الإمارات في مشروع "طريق التنمية"، وهي التي تمثل حجر الزاوية في "الممر الاقتصادي"، وهذا يدفعنا للتساؤل عن أهداف هذه المشاركة، وكيف سينعكس "طريق التنمية" على "الممر الاقتصادي"؟
طريق التنمية
ألقت تركيا بثقلها وراء مشروع "طريق التنمية"، وهي التي أعلن رئيسها، في سبتمبر الماضي، أنه لن يكون هناك "ممر اقتصادي" بدون تركيا، وهي اليوم تضع اللبنات الأولى لـ"طريق التنمية"، بمشاركة دول محورية كقطر والإمارات والعراق.
وتم التوقيع على مذكرة التفاهم الرباعية في بغداد برعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني، ووفقاً لبيان مكتب السوداني، تضمنت المذكرة وضع الأطر اللازمة لتنفيذ المشروع.
ومن شأن المشروع أن "يسهم في تحفيز النمو الاقتصادي، وتعزيز علاقات التعاون الإقليمي والدولي من خلال تحقيق التكامل الاقتصادي والسعي نحو اقتصاد مستدام بين الشرق والغرب، وفق مكتب السوداني.
كما سيعمل المشروع على "زيادة التجارة الدولية، وتسهيل التنقل والتجارة، وتوفير طريق نقل تنافسي جديد، وتعزيز الرخاء الاقتصادي الإقليمي"، وفق مكتب السوداني.
وتعوّل الدول الأربع على أن يصبح طريق التنمية خط نقل أساسي للبضائع بين الشرق الأوسط وأوروبا، في الوقت الذي قال فيه الرئيس التركي: إن "مشروع طريق التنمية مهم لدول المنطقة"، وإن بلاده ستدعم العراق "من أجل استكمال المشروع بأسرع وقت ممكن وتحقيق أهدافه الاقتصادية والتنموية".
مراحل المشروع
وتبلغ تكلفة مشروع "طريق التنمية" 17 مليار دولار، ويتكون من ثلاث مراحل، تنتهي الأولى عام 2028، والثانية عام 2033، بينما تكتمل المرحلة الثالثة في 2050، ومن المتوقع أن يوفر 100 ألف فرصة عمل في مرحلته الأولى، ومليون فرصة عمل بعد إنجازه، وفق ما نقله موقع "الجزيرة نت".
ويشمل المشروع إنشاء 1200 كيلومتر من السكك الحديدية والطرق السريعة، إضافة إلى نقل الطاقة، وخط للاتصالات، ويربط طريق التنمية بين ميناء "الفاو" في البصرة، عبر القناة الجافة، وصولاً إلى تركيا.
ويسعى العراق لأن يصبح هذا المشروع وسيلةً لتحديث بنيته التحتية وتحقيق تنمية اقتصادية، من خلال ربط الأسواق الآسيوية بالأسواق الأوروبية.
وكان رئيس مجلس الوزراء العراقي قال عقب مراسم التوقيع على مذكرة التفاهم الرباعية، إن مشروع "طريق التنمية" ليس لاختصار المسافات فقط، بل سيتحول إلى جسر رابط بين شعوب المنطقة وثقافاتها، وسيدعم الأمن والاستقرار بالمنطقة، وفق وكالة الأنباء العراقية.
ومن وجهة نظر تركيا، فإن الطريق يحمل أهمية استراتيجية لبلدان المنطقة، كما أنه سيعزز التعاون الإقليمي، ويعود بالفائدة على مساحة جغرافية كبيرة من أوروبا إلى الخليج.
تنافس أم صراع؟
أشهر قليلة بين الإعلان عن "الممر الاقتصادي" (مارس 2023)، و"طريق التنمية" (أبريل 2024)، لكنها حملت كثيراً من المتغيرات والتحولات الإقليمية التي غيرت بلا شك شكل المنطقة وشكل تحالفاتها.
فحينما أُعلن في الهند عن مشروع الممر الاقتصادي، ليربط الهند بأوروبا، كانت هناك دوافع عدة، أبرزها إيجاد رابط مشترك بين الخليج و"إسرائيل" تمهيداً لإعلان المرحلة التالية من التطبيع.
لكن ما حدث في 7 أكتوبر عرقل هذا التوجه، ومن ثم تنفيذ مشروع "الممر الاقتصادي"، لتصبح الطريق سالكة أمام مشروع طريق التنمية المنافس بالضرورة.
طريق الحرير
وحتى اللحظة لا يزال "طريق التنمية" محصوراً في الدول الأربع، تركيا والعراق وقطر والإمارات، إلا أن الباحث في شؤون الطاقة عامر الشوبكي، يرى أن المشروع "جزء من مبادرة الحزام والطرق الصيني".
ولفت الشوبكي في تصريح لـ"الخليج أونلاين" إلى أن مشروع طريق التنمية "يهدف لتسهيل تجارة الصين مع أوروبا، واتخاذ طريق مختصر يتفادى قناة السويس والبحر الأحمر".
وأضاف: "الصين تدعم هذا المشروع بشكل جاد، وكذلك تركيا التي تحاول تسريع وتيرته لأهميته الاستراتيجية بالنسبة لها، كمنفذ للبضائع الصينية إلى أوروبا".
وأشار إلى أن الإمارات "قدمت عن طريق صندوق أبوظبي السيادي دعماً لهذا الممر لإنشاء خط سكك حديدية بداية هذا العام فوق مضيق البوسفور في إسطنبول التركية".
واستطرد قائلاً: "هذه الخطوة استكمال لمبادرة الحزام والطريق، كما أنها تزيد من النفوذ السياسي والاقتصادي الصيني في مواجهة القوى الغربية والولايات المتحدة الأمريكية".
أهداف مختلفة
ويرى الشوبكي أن أهداف "طريق التنمية" الجديد تختلف عن "الممر الاقتصادي"، من حيث البعد السياسي للمشروعين، وأهداف الدول التي تتبناهما.
وقال الشوبكي: "الممر الاقتصادي يهدف إلى زيادة نفوذ الولايات المتحدة، ودمج إسرائيل بالمنطقة، خاصة أن هذا المشروع كان سيتم تنفيذه بعد إقامة علاقات دبلوماسية بين السعودية وإسرائيل"، لافتاً إلى أن "الممر الاقتصادي" يواجه عراقيل كثيرة حالياً.
وقال إن جميع القوى العالمية تجد من الضروري إيجاد طريق بديل عن قناة السويس؛ لاختصار الوقت والتكلفة، وكذلك لتفادي المخاطر الجيوسياسية التي تترافق مع هذه الممرات في أحيان عديدة.
ويبدو أن الصين وتركيا والإمارات وقطر والعراق رأت أن الوقت مناسب للتسريع في تنفيذ مشروع طريق التنمية، لتسهيل مرور البضائع أو التجارة العالمية لصالح الصين، في مواجهة الممر الاقتصادي الذي ينطلق من الهند.
أهداف الإمارات
ويرى الباحث في شؤون الطاقة عامر الشوبكي أن الإمارات تحاول إيجاد توازن بين مشروعين، كي تصب كل ثقلها في المشروع الذي سينفذ أولاً، خاصة أنها هي نافذة البداية لمشروع الممر الاقتصادي، وهي أيضاً نافذة لمشروع طريق التنمية، وفي كلتا الحالتين مستفيدة، لكنها تنتظر مشروع سينفذ.
واستطرد قائلاً: "لكل دولة من هذه الدول اهتمامات مختلفة ومصالح مختلفة مع هذه المشاريع، لكن مشاركة الإمارات في كلا المشروعين مستغربة منذ البداية، وأعتقد أن مشروع طريق التنمية هو الأقرب إلى التطبيق حالياً، لكن بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، وبعد اتفاقية السلام التي ستحدث ربما بين السعودية وإسرائيل، هناك العديد من العقبات التي ما زالت أمام مشروع الممر الاقتصادي الذي أعلن عنه".
ولفت الشوبكي إلى أن هناك زخماً كبيراً للممر الاقتصادي، لكن هناك كثير من العقبات أمامه، بعكس مشروع طريق التنمية الذي لا تواجهه سوى عقبة واحدة تتمثل في الاستقرار السياسي في العراق، متوقعاً أن تحاول الولايات المتحدة اعتراض طريق مثل هذا المشروع".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!