ترك برس
أشار تقرير لصحيفة العربي الجديد إلى سيطرة التخبط على حكومة الاحتلال الإسرائيلي في إيجاد بدائل للسلع التركية والتخفيف من صدمة ذلك على الأسواق، حيث تتعرض لضغوط كبيرة من التجار والمستهلكين على حد سواء بشأن توفير بدائل غير مكلفة في وقت يعاني الجميع ارتفاع التكاليف والغلاء وسط استمرار الحرب على قطاع غزة منذ سبعة أشهر.
وذكرت الصحيفة في تقريرها أن وزارة الاقتصاد الإسرائيلية إمكانية التراجع عن القرار الذي جرى التوافق بشأنه مع وزارة الخارجية ومصلحة الضرائب في حكومة الاحتلال، والذي يقضي بتقليص أي علاقة اقتصادية بين تركيا والسلطة الفلسطينية، والذي جاء عقاباً للفلسطينيين بعد يوم من إعلان تركيا في الثاني من مايو/أيار الجاري قطع جميع العلاقات التجارية مع إسرائيل رداً على منع الاحتلال وصول إمدادات المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
وتنظر وزارة الاقتصاد الإسرائيلية إلى السلطة الفلسطينية الآن باعتبارها وسيلة للتعامل مع الأزمة السلعية الناشئة عن المقاطعة التركية، وفق تقرير أورده موقع صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، يوم الأحد، موضحاً أن "الصادرات التركية إلى السلطة الفلسطينية مستمرة كالمعتاد، ومن الممكن أن تطلب (السلطة) من التجار أن يطلبوا لإسرائيل السلع التي تحتاج إليها". وأضاف أن هذا نوع من تحول السلطة إلى "طرف ثالث" يمكن من خلاله توجيه البضائع الرخيصة إلى إسرائيل على حد زعم الموقع الإسرائيلي.
يمثل المقترح تحولاً سريعاً في ردود الفعل الإسرائيلية على المقاطعة التركية، إذ أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية في الثالث من مايو/أيار في بيان لها أنه تقرر العمل على تقليص أي علاقة اقتصادية بين تركيا والسلطة الفلسطينية وغزة، ضمن عدد من القرارات الهامة والعملية، بوصفها ردّاً حادّاً على قرار أردوغان (الرئيس التركي رجب طيب أردوغان) الأحادي الجانب بوقف التجارة مع إسرائيل. وتشير البيانات إلى أن تركيا أكبر دولة موردة للسلطة الفلسطينية، بواقع 18% من إجمالي الواردات.
ولفت الموقع الإسرائيلي إلى أن وزارة الاقتصاد تنظر في مقترحات أخرى لإيجاد مصادر بديلة للواردات مع إعطاء الأفضلية للدول المستقرة والموثوقة التي تقع في حوض البحر الأبيض المتوسط وعلى مسافة معقولة من إسرائيل. وتعتبر مواد البناء من المنتجات التي قد تتأثر بالمقاطعة التركية.
وفي عام 2023، بلغ إجمالي استيراد البضائع من تركيا نحو 5.2 مليارات دولار، منها نحو 2.8 مليار دولار لصناعة البناء والتشييد وحدها، حيث تعمل مصانع محدودة على إنتاج هذه المواد في إسرائيل. وتعد شركة "نيشر" المنتج الوحيد للأسمنت في إسرائيل على سبيل المثال، كما أن هناك عدداً محدوداً من مصنعي الحديد والصلب ينتجون حوالي 40% فقط من احتياجات الاقتصاد المحلي. ومن المشكوك فيه أن يكون لدى هذه الشركات حافز لتوسيع قدراتها الإنتاجية الآن، من دون وعد من الحكومة بعدم إعادة الواردات من تركيا.
الإمارات والأردن ومصر ضمن البدائل
ووفقاً لقائمة مصادر الاستيراد البديلة التي أعدتها وزارة الاقتصاد، يمكن التوجّه إلى دول مثل إيطاليا ومصر والصين والأردن للحصول على الرخام. وفي ما يتعلق بالأسمنت، الذي جاء معظمه في العقد الماضي من تركيا، تقترح الوزارة الأردن ومصر واليونان مصادرً استيراد بديلة. أما منتجات الحديد والصلب، فتأتي الأردن والإمارات وإيطاليا واليونان وروسيا، كذلك تأتي الإمارات وإسبانيا وفيتنام بوصفها دولاً بديلة لتوريد النحاس.
ورغم توفر البدائل فإنّ معضلة التكلفة تقلق الإسرائيليين، إذ تأتي السلع التركية بأسعار أقل كثيراً من البدائل الأخرى المطروحة، وفق ما نقلت يديعوت أحرونوت. وبصرف النظر عن الأسعار المنخفضة، فإن القرب الجغرافي لتركيا من إسرائيل يزيد أيضاً من جاذبية الاستيراد الإسرائيلي من الأتراك. فمدة الرحلة، على سبيل المثال، لسفينة تحمل بضائع من فيتنام إلى إسرائيل هي عدة أسابيع، وإذا اضطرت إلى تجاوز القارة الأفريقية بأكملها للوصول إلى الموانئ الإسرائيلية بسبب استهداف الحوثيين في اليمن السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، تصبح الرحلة أطول وأكثر كلفة.
كما أن الاستيراد من خلال تاجر في السلطة الفلسطينية أو في دولة أخرى والذي سيطلب ويشتري البضائع التركية ثم يبيعها إلى مستورد إسرائيلي يتضمن رسوم وساطة إضافية بنسبة تتراوح بين 2% و3%، لكن وزارة الاقتصاد ترى أن مسألة التسعير قابلة للحل، وسيتوصل قطاع الأعمال إلى تفاهم مع التجار حول العالم بشأنها.
ويبدو أن المقترحات المطروحة تأتي ضمن رسائل تحاول حكومة الاحتلال طمأنة المستهلكين، الذي لا يزال يئن تحت غلاء المعيشة، وسيضطر في الأيام المقبلة إلى دفع المزيد بسبب المقاطعة التركية، وفق تقرير يديعوت أحرونوت. وبينما كان متوسط سعر طن الأسمنت المستورد يبلغ حوالي 400 شيكل في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلنت إحدى الشركات المستوردة في الأيام الأخيرة، وهي "Akma Trading"، أنها ستبدأ في استيراد الأسمنت من إسبانيا بنحو 750 شيكلاً (201 دولاراً). وفي الأسبوعين الماضيين، أبلغت المزيد من الشركات، وأغلبها في قطاع مواد البناء، عملاءها عن زيادات في الأسعار تصل إلى 9% بعد المقاطعة التركية فقط.
تصريحات إسرائيلية حول تخفيف الحظر التركي
ويشير واقع السوق إلى الصدمة الناجمة عن المقاطعة التركية فضلاً عن التخبط الحكومي الذي بدا واضحاً في التصريحات الصادرة خلال الأيام الأخيرة. والأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس في تصريحات صحافية إن تركيا ألغت معظم القيود التجارية ضد تل أبيب، لكن وزير التجارة التركي عمر بولاط نفى ذلك، يوم الجمعة الماضي، قائلاً وفق ما نقلت وكالة الأناضول إن "التصريح الإسرائيلي من نسج الخيال ولا علاقة له بالواقع، ويتنافى مع جدية الحنكة السياسية"، مؤكداً أن موقف تركيا واضح بهذا الخصوص.
كما أكد مصدر مسؤول في حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "بلاده لم تتنازل ولن تتنازل عن العقوبات، وهي مستمرة حتى وقف إسرائيل العدوان على غزة"، مشيراً إلى أن جميع الموانئ التركية مغلقة في وجه جميع السفن الإسرائيلية، حيث لا يوجد أيضاً استيراد من إسرائيل. وقال إنه لا تصدير للمنتجات التركية، مباشرة أو عبر وسطاء وأراض أخرى إلى إسرائيل، إلا بعد تنفيذ الشروط التركية بإدخال المساعد إلى سكان غزة ووقف إطلاق النار. ولفت إلى أن تركيا تشترط خلال منح شهادة المنشأ للمنتجات التركية ألا تذهب البضائع لإسرائيل، ولو عبر دولة ثالثة.
وجاء تصعيد تركيا بقطع العلاقات التجارية، بعد قرارات تقييد الصادرات ضمن عقوبات المرحلة الأولى في التاسع من إبريل/نيسان الماضي، وقت قيدت تصدير حديد الإنشاءات، والفولاذ المسطح والرخام والسيراميك. إضافة إلى جميع منتجات الصلب الطويلة والمسطحة، والأنابيب الفولاذية ومقاطع الألمنيوم وأسلاكها. لكن عقوبات المرحلة الأولى لم ترق إلى مطالب الشارع التركي، كما يقول المحلل التركي، باكير أتاجان، ما دفع أنقرة برأيه، إلى قطع كامل العلاقات الاقتصادية واشتراط عودتها بوقف إطلاق النار في غزة وتمرير المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين من دون تعقيد.
ورأت صحيفة "يني شفق" التركية في تقرير يوم السبت، أن المقاطعة التركية تشجع الدول الأخرى الداعمة لفلسطين على حذو النهج نفسه. يذكر أن قيمة التجارة التركية مع إسرائيل، بلغت العام الماضي بحسب معهد الإحصاء التركي الحكومي، نحو 6.8 مليارات دولار، منها 76% صادرات تركية، لكن الصادرات التركية إلى إسرائيل تراجعت، بحسب المصدر نفسه بنسبة 28% على أساس سنوي خلال الأشهر الخمسة الأولى من الحرب على غزة إلى 1.9 مليار دولار.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!