ترك برس
أشار تقرير لشبكة الجزيرة القطرية إلى أن إعلان ما يسمى بـ"الإدارة الذاتية" -الوجه السياسي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)- نيتها إجراء انتخابات محلية في المناطق التي تسيطر عليها شمال شرقي سوريا، أعاد توجيه الأنظار إلى الملف السوري مجددا، بعد فترة طويلة من الثبات ومراوحة المكان، نتيجة طغيان ملفات الحرب على غزة والحرب الأوكرانية على المشهد السياسي العالمي.
وذكر التقرير أنه على الرغم من تأجيل قسد (التي تعتبرها تركيا تنظيما إرهابيا) الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في 11 يونيو/حزيران الجاري، في ظل عدم دعم الولايات المتحدة الأميركية لهذه الخطوة، ورفض تركيا المطلق لها، لكن فيما يبدو فقد أدت هذه الخطوة إلى تحريك مياه السياسية الراكدة في سوريا.
وأكد أنه بعيد إعلان قسد موعد إجراء انتخابات محلية ثم التراجع عنها، بدا واضحا عودة النشاط للمباحثات التركية الروسية، وسط تصعيد اللهجة من أنقرة والتلويح بالخيار العسكري من أجل منع اتخاذ مثل هذه الخطوة.
طرح قسد فكرة الانتخابات، وبعد ذلك تعليق الخارجية الأميركية غير المقنع لأنقرة على الموضوع، والذي تمثل بمعارضة إجرائها لأن الوقت الراهن غير مناسب، مع عدم رفضها كليا، أدى إلى تنشيط الاتصالات الدبلوماسية بين أنقرة وموسكو، بعد ما اعتراها الجمود منذ منتصف عام 2023.
وأجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان اجتماعا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة دول مجموعة بريكس في 11 يونيو/حزيران الجاري.
وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحات له أعقبت اللقاء، أن وزير خارجية بلاده ناقش خلال اللقاء مع بوتين بشكل مفصل موضوع الانتخابات التي تريد قسد إجراءها شمال شرق سوريا.
ولوح أردوغان بخيار العملية العسكرية من جديد، مؤكدا أن بلاده ستحشد قوتها للتحرك في حال قررت قسد إجراء الانتخابات.
ويجري حاليا الترتيب لعقد جولة جديدة من مسار أستانا الذي ترعاه الدول الضامنة، وكشف مصدر ضمن وفد المعارضة السورية للجزيرة نت أن الدول الضامنة للمسار ممثلة بتركيا وروسيا وإيران، تعتزم عقد جولة جديدة في العاصمة الكازاخية آواخر الشهر الجاري.
وسيبحث الاجتماع المستجدات التي طرأت على الساحة السورية، بالإضافة إلى استعراض التطورات الإقليمية، حيث تبحث هذه الدول أيضا ارتدادات ما يجري في فلسطين ولبنان على الساحة السورية.
ويعتقد الباحث في الشأن التركي طه عودة أوغلو أن اللقاء بين فيدان وبوتين، والذي تناول بشكل رئيسي الأوضاع في سوريا والانتخابات التي أعلنت عنها قسد أزال حالة الفتور بين تركيا وروسيا، وحمل رسائل للاعبين الدوليين المؤثرين في الملف السوري.
وأضاف عودة أوغلو للجزيرة نت، أن اللقاء المحتمل بين الرئيسين التركي وبوتين في أستانا سيناقش تحركات قسد الأخيرة، حيث ستؤكد تركيا رفضها لفرض واقع جديد في سوريا، وروسيا ستستغل التطورات لإعادة تنشيط الدبلوماسية مع تركيا.
من جهته، أكد الصحفي التركي المتخصص بالشؤون العسكرية ليفينت كمال أن المحادثات تجري بين السلطات التركية والروسية بشكل مستمر، وعلى المستويين الدبلوماسي والاستخباراتي للحفاظ على وقف إطلاق النار، وهذه المباحثات تنعقد في سوريا وخارجها.
وسبق أن وقع الجانبان التركي والروسي مذكرة تفاهم في أكتوبر/تشرين الأول 2019 حول سوريا، تتضمن مكافحة الإرهاب، وضمان وحدة أراضي سوريا، وعودة اللاجئين.
كما نصت المذكرة على انسحاب قوات قسد عن الحدود التركية إلى عمق 30 كيلومترا، لكن التنفيذ اقتصر على تسيير دوريات تركية- روسية مشتركة في المنطقة، دون انسحاب كامل لقوات قسد، ولذا تطالب تركيا بشكل متكرر بتنفيذ روسيا لتعهداتها التي قدمتها وفق مذكرة التفاهم.
وفي إطار تنشيط المباحثات مع النظام السوري ألمح الرئيس التركي خلال تصريحات متلفزة له عقب لقاء فيدان مع بوتين، إلى أن "الإدارة السورية" لن تسمح بإجراء انتخابات قسد في سوريا.
وجاءت هذه التصريحات بالتوازي مع تسريبات نشرتها وسائل إعلام تركية تحدثت عن عودة اللقاءات الأمنية بين تركيا والنظام السوري.
وسبق ذلك تقارير عراقية أفادت بإحراز تقدم في الوساطة بين أنقرة ودمشق، حيث أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني مطلع الشهر الجاري عن قيادة بلاده وساطة جديدة لتقريب وجهات النظر بين تركيا والنظام السوري مجددا، وأعرب عن أمله أن تكون المحادثات هذه المرة مختلفة عن سابقتها.
وجربت أنقرة في أوقات سابقة خيار عقد تفاهمات مع النظام السوري ضمن مسار رباعي شاركت فيه كل من إيران وروسيا، وعقدت الأطراف خلال عام 2023 عدة لقاءات من أجل التوصل إلى تفاهمات خاصة في الملف السوري، رغبة من أنقرة بضمان التعاون معها في ملف مكافحة الإرهاب، لكن تمسك دمشق بمطلب انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية واعتباره شرطا مسبقا لنجاح المفاوضات عرقل الوصول إلى صيغة تفاهم.
وقد أعلن المبعوث الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتيف مطلع عام 2024 أن بقاء القوات التركية في سوريا واستمرار أنقرة بدعم المعارضة السورية يعيق تطبيع العلاقات مع دمشق.
ويرى الباحث طه عودة أوغلو أن النظام السوري أبدي مؤخرا نوعا من المرونة فيما يتعلق بالمباحثات مع أنقرة، مؤكدا في الوقت ذاته صعوبة التفاهم حول الملفات المعقدة بين الجانبين مثل الاتفاق على مكافحة الإرهاب، ومسألة تسهيل عودة اللاجئين، وانخراط النظام السوري بالحل السياسي وفق القرار 2254، بالإضافة إلى الدور الأميركي المستمر في سوريا.
على الطرف المقابل، ركزت أنقرة على مباحثاتها مع واشنطن، من خلال اللقاءات المتكررة بين وزير الخارجية التركي ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن، بالإضافة إلى زيارة رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم كالين رفقة فيدان إلى واشنطن شهر مارس/آذار الماضي.
وأشار عودة أوغلو إلى تأثير نتائج الانتخابات الأميركية على المنطقة عموما بما فيها سوريا، وبالتالي قد نشهد مقاربة تركية جديدة مع دول الجوار بما فيها سوريا في ضوء ما ستسفر عنه الانتخابات من تغيير في سياسة واشنطن.
وسبق أن وقعت تركيا اتفاقا سابقا مع واشنطن في أكتوبر/تشرين الأول 2019، وأقرت فيه الولايات المتحدة بمشروعية المخاوف التركية الناجمة عن نشاط تنظيمات إرهابية على حدودها الجنوبية.
ويضاف إلى ذلك ضرورة تعزيز التنسيق المشترك بين أنقرة وواشنطن بخصوص سوريا وخاصة في الشمال الشرقي منها، بالإضافة إلى الاتفاق على وحدة وسلامة الأراضي السورية وإنهاء النزاع الدائر في البلاد بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2254.
وتترقب الأوساط الدبلوماسية استعداد كل من أنقرة ودمشق للتعاطي بنهج جديد مع الوساطات الخاصة بتقريب وجهات النظر بين الطرفين، أو ما إذا كان تنشيط المباحثات التركية الروسية سيدفع الجانب الأميركي لتقديم المزيد من الضمانات لأنقرة حيال منع إجراء قسد لانتخابات منفردة وفرضها على أرض الواقع.
وطيلة الأعوام الماضية، عملت أنقرة على التفاوض مع كل من روسيا والولايات المتحدة من أجل توفير الظروف السياسية لتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب داخل الأراضي السورية، حيث نفذت عملية درع الفرات صيف عام 2016 تحت غطاء التحالف الدولي بقيادة أميركا، ثم أتبعتها بعملية غصن الزيتون في عفرين مطلع 2018 بالتنسيق مع روسيا.
كما شنت أواخر عام 2019 عملية نبع السلام بموجب تنسيق محدود مع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وتلى العملية الأخيرة اتفاقيتان منفصلتان مع كل من موسكو وواشنطن تنصان على إبعاد "التنظيمات الإرهابية" من الحدود التركية، دون أن يتم تنفيذ الاتفاقيتين اللتين تطالب أنقرة بتطبيقهما إلى يومنا هذا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!