ترك برس

أكد الكاتب والإعلامي التركي طه قلينتش، أن التجربة التاريخية والجغرافية تظهر أن كل حظر تفرضه طاجيكستان على الإسلام والثقافة الإسلامية باسم "مكافحة التطرف" يزيد من احتمالية انزلاق الناس إلى التطرف.

وفي مقال بصحيفة يني شفق، ذكر الإعلامي التركي أنه عندما بدأ الاتحاد السوفيتي باحتلال أفغانستان عام 1979، أعدت بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط خطة للتخلص من العناصر "الراديكالية" داخلها.

ويقول إن الخطة كانت تهدف لتسهيل انتقال الراغبين في المشاركة في "الجهاد الأفغاني" إلى المنطقة وتقديم كافة أشكال الدعم لهم المادي والأيديولوجي واللوجستي. وبالفعل تدفق عدد لا يحصى من المسلمين من كافة أنحاء العالم الإسلامي إلى أفغانستان حتى عام 1989. وبالطبع لم يكن من الممكن فهم كل شيء بوضوح في خضم أحداث تلك الفترة. 

ولعل بعض الذين كانوا يتابعون العملية عن كثب قد شكوا قليلا في تصريح الرئيس الأمريكي رونالد ريغان في 2 فبراير/شباط 1983 عندما استقبل مجموعة من المجاهدين الأفغان في البيت الأبيض، قائلا: "هؤلاء السادة لديهم نفس القيم الأخلاقية التي يمتلكها الآباء المؤسسون لأمريكا". لكن قلة قليلة كانت تركز على مثل هذه التفاصيل وسط حماسة الحرب. بحسب قلينتش.

وأوضح أنه في النهاية فشلت خطة "التخلص من العناصر الراديكالية". وعاد المقاتلون الذين هزموا الاتحاد السوفيتي إلى بلدانهم كـ "أبطال حققوا النصر على إمبراطورية عالمية"، وتحولوا إلى نماذج يحتذى بها في أعين الناس. ومن رحم هذه الأجواء، نشأت تنظيمات مثل القاعدة وغيرها. فبينما كانوا يسعون للقضاء على "التطرف"، قاموا بنشره وتوزيعه في جميع أنحاء العالم.

ولفت إلى أن عمر سليمان كان خلال فترة توليه منصب رئيس المخابرات العامة في مصر خلال عهد حسني مبارك، من عام 1991 حتى 2011، يعمل بشكل وثيق مع وكالة المخابرات المركزية (CIA) إلى جانب مهامه الاستخباراتية الروتينية.

وقد لعب سليمان دورا حاسما في نقل "المجرمين" الذين اختطفتهم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بشكل غير قانوني بعد احتلال أفغانستان عام 2001 ثم العراق عام 2003، ثم قامت بنقلهم إلى مراكز الاستجواب والتعذيب السرية في بلدان مختلفة حول العالم. وفقا للكاتب.

وتابع المقال:

في آسيا كانت العاصمة الأفغانية كابول مركز هذه العمليات، بينما كانت القاهرة مركزها في الشرق الأوسط. أشرف عمر سليمان، الذي كان يعمل بالتنسيق مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، على إدارة هذه العملية، وقام شخصيا بالإشراف على استجواب وتعذيب وحتى إعدام العديد من "المجرمين".

فشلت الولايات المتحدة في القضاء على الإسلام وروح المقاومة لدى المسلمين ضد الاحتلال، فعمدت إلى محاولة التلاعب بمفاهيم المقاومة والجهاد لتوجيهها نحو أهدافها الخاصة. ولكن كل خطوة خاطئة وعدائية كانت تزيد من عدد الأشخاص الذين يوصفون بـ "الراديكاليين". بالتالي فإن الحرب ضد ما يسمى بـ "الراديكالية" لم تؤد إلا إلى تقويتها وتعزيزها.

وعندما قرأت أخبارا عن حظر الحجاب الإسلامي ومنع الشباب من الذهاب إلى المساجد وبعض الممارسات الإسلامية الأخرى في طاجيكستان تحت ذريعة "مكافحة التطرف"، قلت في نفسي: "ها هي عملية أخرى ستبوء بالفشل".

تعتبر حكومة طاجيكستان الحجاب "عنصرا من الثقافة الأجنبية"، وتهدف إلى استبداله بـ "الثقافة المحلية". وتفرض على من ينتهك الحظر غرامات مالية وعقوبات بالسجن. وفي هذا البلد الذي يسوده فهم غريب يعتبر حتى تجول الأطفال لجمع الحلوى والنقود في الأعياد "ثقافة أجنبية"، علما أن 98٪ من سكان البلاد البالغ عددهم 10 ملايين نسمة هم مسلمون. حتى أن أسماء المسؤولين وألقابهم تكاد تكون جميعها باللغة العربية.

إن التجربة التاريخية والجغرافية تظهر أن كل حظر تفرضه طاجيكستان على الإسلام والثقافة الإسلامية باسم "مكافحة التطرف" يزيد من احتمالية انزلاق الناس إلى التطرف. فتحويل المساجد إلى مقاهي، ومنع تلاميذ المدارس من الصيام، وفرض حلاقة اللحي التي تزيد عن مستوى معين، وغيرها من الممارسات القمعية، لا تقضي على التطرف كما هو مخطط لها، بل على العكس تعززه وتحوله إلى اتجاه سائد. إن استمرار هذا الحظر، الذي ينعكس في وسائل الإعلام، كسياسة دولة دائمة، سيكبد طاجيكستان ثمنا باهظا، وربما بتدخلات سرية وعلنية من بعض الجهات الخارجية.

من المستحسن تذكير المسؤولين الطاجيكيين بتجارب أوزبكستان خلال العقود الثلاثة الماضية، وما يمكن أن تؤول إليه الخطوات الرامية إلى تغيير المجتمع بالقوة من الأعلى. إن العلاقة المعقولة التي أقامتها حكومة أوزبكستان مع الإسلام ومطالب سكانها المسلمين اليوم هي نتاج لتلك التجارب.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!