
ترك برس
استعرض الكاتب والإعلامي التركي طه كلينتش، قراءة معمقة للعدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، في سياق استراتيجي أوسع يربط بين الفوضى الإقليمية ومصالح إسرائيل الوجودية.
وذكر الكاتب في مقاله بصحيفة يني شفق أن تل أبيب تتغذى على عدم الاستقرار وتستفيد من الصراعات الداخلية في العالم الإسلامي.
ويحلل المقال أبعاد هذا العدوان في ظل الصمت الدولي والتراخي الإسلامي، داعيًا إلى تحرك سياسي وشعبي واسع لمواجهة هذا الخطر المتصاعد.
كما يناقش التحديات التي تعيق توحيد الموقف الإسلامي تجاه القضية الفلسطينية، ويشدد على مسؤولية الأفراد والدول على حد سواء في وقف نزيف الدم، وعدم الاكتفاء بالشجب والتنظير دون خطوات عملية.
وفيما يلي نص المقال:
أولا: تواصل إسرائيل عدوانها على غزة الذي بلغ حد الإبادة الجماعية، بينما تستمر في استفزاز لبنان وسوريا. إن ما يحدث ليس سوى تكرار وتأكيد لدورة مستمرة في منطقتنا امتدت قرابة قرن من الزمن: دولة الاحتلال تتغذى على الفوضى وعدم الاستقرار. فكلما بدأت أي دولة أو جهة في استعادة توازنها وتعافيها، تهاجمها إسرائيل للحفاظ على بقائها. فالفوضى والاضطراب في الشرق الأوسط تخدم دائمًا مصالح إسرائيل. وفيما يتعلق بالتنافس الداخلي والصراعات في المنطقة الإسلامية، فإن الفائز الوحيد دائمًا هو إسرائيل.
إذا قرأتم تاريخ القرن الماضي، مع وضع هذه الحقيقة بعين الاعتبار، سترون أن الأنظمة الدكتاتورية التي ظلمت شعوبها خدمت إسرائيل بنفس الطريقة. في كل مرة تثور فيها الجماهير التي ضاقت ذرعا ولم يعد لديها ما تخسره، في أي أجواء فوضوية، كانت تقابل بفرح وحماسة في تل أبيب. أما الفترات التي شهدت تلاحم الدول والشعوب من أجل تحقيق السلام الاجتماعي، فهي بالنسبة لإسرائيل أوقات لا تُطاق. لأنه في تلك الأوقات، لا تستطيع إسرائيل ممارسة سيطرتها، ولا أن تفعل ما يحلو لها في المنطقة. وأفتح هذه الفقرة خصوصاً لوضع الربيع العربي في سياق صحيح. وعند النظر في سلسلة السبب والنتيجة، نجد أن المشاكل، والظلم، والانفجار الذي أطلقته ثورات الشعوب، قد أفاد إسرائيل في النهاية. على سبيل المثال، فإن استقرار الأوضاع في سوريا وتأسيس إدارة مستقرة هو أكبر كابوس للصهاينة الآن.
إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بدافع من نفس شغفه بالفوضى، ينتظر بفارغ الصبر أن يصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا بشن هجوم على إيران. لقد تغذوا أولاً على سياسات إيران الطائفية التي دمرت المنطقة؛ والآن يأملون في الأزمات الجديدة التي سيطلقها الهجوم على إيران في الشرق الأوسط.
ثانيا: يجب على الدول والحكومات والمنظمات الدولية في العالم الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، وغيرها..) أن تكبح جماح العدوان الإسرائيلي مهما كلف الأمر. فهذا العدوان لن يقتصر على المناطق "المجاورة" كغزة وفلسطين ولبنان وسوريا، بل سينتشر في جميع أنحاء منطقتنا. وإذا لم يتم إخماد الحريق الذي أشعله الاحتلال الصهيوني، فإن ألسنة اللهب ستصل إلى أبعد الزوايا.
ولا ينبغي لأي حكومة أو دولة أو بلد أن يشعر بالأمان. فالجميع، بمن فيهم أولئك الذين يسيرون جنبًا إلى جنب مع إسرائيل اليوم، سيصيبهم نصيب من العدوان الصهيوني بطريقة أو بأخرى يومًا ما. إن الأشلاء المتناثرة لأجساد أطفال ونساء غزة تتطاير في أرجاء العالم الإسلامي وتجذب معها البلاء والموت.
على تركيا أن تبذل قصارى جهدها لتوسيع وتعزيز الجبهة ضد الاحتلال الإسرائيلي في العالم الإسلامي. إن تبرئة ذمتنا أمام الأجيال القادمة والمستقبل، لا يمكن أن تتحقق إلا إذا أدينا واجبنا على أكمل وجه أمام التاريخ. كل مهمة أهملناها أو تهاونّا فكل مهمة في سبيل وقف سيل الدماء نتجاهلها أو نهملها أو لا نوليها اهتمامًا ستلتصق على جبينا في المستقبل كوصمة عار.
ثالثا: إن قضية فلسطين تعاني منذ البداية، من مشكلتين وعقدتين يجب على العالم الإسلامي تجاوزهما في أقرب وقت ممكن:
ـ يجب الإجابة بوضوح على السؤال التالي: "ماذا تعني فلسطين لنا، وما علاقتها بنا؟". ففي ظل وجود تعريفات متضاربة لكل دولة وإيديولوجيا وتيار سياسي، يستحيل التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية .
ـ ينبغي أيضًا إيجاد إجابة منطقية ومعقولة وواقعية لهذا السؤال: "من يمثل فلسطين في الداخل والخارج؟". إن العقود التي أُهدرت بحسابات صغيرة ورخيصة، والأوقات الضائعة والفرص الضائعة، أدت إلى نهب منطقتنا. وفي هذه المرحلة، لا يلوح في الأفق أي حل ما لم تتفق الدول القوية في العالم الإسلامي فيما بينها، وربما بتقديم بعض التنازلات السياسية.
رابعا: إلى جانب الواجبات التاريخية للدول والمؤسسات، هناك الكثير مما يمكن للأفراد القيام به. وكما أذكر دائمًا في هذا العمود، فإن الإجابة على سؤال "ما الذي يمكنني فعله في حدود إمكانياتي؟" ستأخذنا جميعًا إلى نتائج ملموسة وقابلة للتطبيق. إن إفراغ الغضب من خلال الانتقاد المستمر للدول والحكومات والمؤسسات، قد يصبح أحيانًا ملاذا نفسيًا نلجأ إليه للهروب من مواجهة واجباتنا الشخصية. إن هذه التفاصيل دقيقة ومهمة للغاية، علينا أن نضعها دائما بعين الاعتبار.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!