ترك برس
ولّد التقارب المحتمل بين أنقرة ودمشق، حالة من الخوف والقلق لدى ميليشيات "واي بي جي/ بي كا كا" الإرهابي وما يسمى بـ "قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، خشية أن يؤثر هذا التقارب سلبا على مخططهم بتأسيس "إدارة حكم ذاتي" شمال شرقي سوريا.
وحذّرت أحزاب وجهات سياسية سورية كردية موالية للميليشيات الإرهابية، في بيان صدر مؤخرا، من التقارب التركي مع النظام السوري لأنه "سيضفي الشرعية على الاحتلال التركي في شمال سورية، ويعمّق الأزمة السورية أكثر، وسيصبح الشعب السوري والوطن السوري ضحية سياسة التصالح هذه"، بحسب ما نقله تقرير لـ "العربي الجديد".
وطالبت هذه الأحزاب بتطبيق القرار الدولي 2254 الخاص بالقضية السورية، داعية "الأطراف السياسية الديمقراطية كافة" في سورية إلى عقد "مؤتمر وطني سوري، انطلاقاً من شمال وشرق سورية، ليكون اللبنة الأساسية لحل الأزمة السورية عن طريق الحوار، ويشكّل قوة ضاغطة على النظام للسير في طريق الحوار السوري الداخلي لحل الأزمة السورية".
أسباب التقارب التركي مع النظام السوري
وجاء هذا البيان ردّاً على خطوات باتت أكثر وضوحاً في الأيام الأخيرة الماضية باتجاه التقارب التركي مع النظام السوري والتطبيع معه لوضع حدّ لقطيعة كاملة بدأت في عام 2012.
ويعكس موقف الأحزاب القريبة من "الإدارة الذاتية"، الذراع الإدارية لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تخوفاً كردياً من انعكاس التحول في السياسة التركية حيال النظام السوري، عليهم سلباً، خصوصاً أن أنقرة تعتبر هذه القوات مصدر قلق على أمنها القومي وتنظر بغضب على محاولات فرض إقليم ذي صبغة كردية في شمال شرق سورية.
وزاد الغضب التركي بسبب عزم "الإدارة الذاتية" إجراء انتخابات محلية في مناطق سيطرتها، وهو ما دفع أنقرة ربما إلى تسريع خطوات التقارب مع النظام السوري لمحاصرة محاولات هذه الإدارة خلق وقائع سياسية ربما يصعب لاحقاً تجاوزها. وكانت "الإدارة الذاتية" قد اعتبرت قبل أيام في بيان، التقارب التركي مع النظام السوري والمصالحة بين أنقرة ودمشق "مؤامرة كبيرة ضد الشعب السوري، وتكريس للتقسيم".
وتظهر أنقرة عداء لـ"قسد"، وتعتبرها نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني والمصنف لديها ضمن التنظيمات الإرهابية، إذ شنّت عليها خلال السنوات الماضية حملات عسكرية عدة برية وجوية في غرب الفرات وشرقه.
ومن الواضح أن الجانب التركي يسعى لاتفاق مع النظام السوري لمحاربة هذه القوات التي تحتمي بالجانب الأميركي والذي يحول حتى اللحظة من دون توغل تركي برّي هدفه القضاء على هذه القوات، ولكنه يغضّ الطرف على القصف التركي بالمسيّرات على مواقع لهذه القوات في أقصى الشمال الشرقي من سورية.
مكتسبات "قسد" في خطر
ورغم الخلافات التي تعصف بالقوى السياسية الكردية في سورية، إلا أنها حصلت في السنوات الأخيرة على مكتسبات عديدة منها العسكري والثقافي تخشى أن تزول في حال اتفاق النظام وأنقرة على توحيد جهودهما للقضاء على الوجود العسكري الكردي في سورية.
ولا تبدو الكثير من الخيارات متوفرة أمام الأكراد السوريين لمواجهة التحدي الجديد المتمثل في التقارب التركي مع النظام السوري ما خلا استمرار التعاون مع التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بقيادة أميركية، فهو الوحيد القادر على وضع حد لأي أعمال عسكرية محتملة ضدهم.
ويحول رفض القوات الكردية فكّ ارتباطها بحزب العمال الكردستاني دون تقارب بينها وبين فصائل في المعارضة السورية لا تتماهى تماماً مع الرؤية التركية. وربما يدفع التقارب بين أنقرة ودمشق، الأطراف الكردية إلى ترتيب البيت الداخلي خصوصاً بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي الذي يعد أقوى وأهم أحزاب "الإدارة الذاتية" والمسيطر فعليا على "قسد" من خلال ذراعه العسكرية (الوحدات الكردية).
وكانت فشلت جهود أميركية خلال عام 2020 في دفع الجانبين إلى التوصل لاتفاق لتشكيل مرجعية سياسية واحدة للأكراد السوريين تمثلهم في استحقاقات العملية السياسية.
ونقل تقرير "العربي الجديد" عن القيادي فيما يسمى بـ المجلس الوطني الكردي والمتحدث باسمه، فيصل يوسف، قوله إن "القرار 2254 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي لا يزال يشكل المخرج لحلّ الوضع المتأزم في البلاد ويلبي تطلعات الشعب السوري في تحقيق أهدافه نحو مستقبل أفضل".
ودعا يوسف المجتمع الدولي لـ"الضغط باتجاه تنفيذ قرارته ذات الصلة في الشأن السوري" ، مضيفاً: "الدول التي تتقارب مع النظام السوري تنطلق من مصالحها لكن مصلحة الشعب السوري تكمن بحل شامل يضمن مشاركة مختلف مكوناته القوميات والدينية".
وتابع أن "أي حل دون ذلك سيبقي مجتزأً ومؤقتاً". وأشار إلى أن "الشعب الكردي ومنذ تأسيس الدولة السورية يعاني من الإقصاء والاستهداف في وجوده، رغم أنه عنصر رئيسي في استقرار وتنمية البلاد".
وأضاف: "يعمل المجلس الوطني الكردي من أجل بناء سورية ديمقراطية لا مركزية وصياغة دستور يضمن حقوق الشعب الكردي القومية أسوة بباقي القوميات الأخرى من عرب وسريان وآشوريين وسواهم".
ومن غير المستعبد أن يدفع التقارب التركي مع النظام "قسد" و"الإدارة الذاتية" للهروب إلى الأمام من خلال العودة مجدداً إلى جولات حوار مع النظام يرقى إلى مستوى التفاوض كانت توقفت قبل سنوات بسبب الاشتراطات المتبادلة.
ورأى مدير الدراسات في مركز "أبعاد" محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "قسد" لطالما لجأت إلى هذا الخيار، مضيفاً: "هي تبقي خط الحوار مع النظام برعاية روسيا دائما مفتوحا ولكنها لا تقبل بالتنازلات التي يريدها النظام كونها تستند إلى دعم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة".
وتابع: "لكن هذا الأمر قد يتغير إذا ما عاد دونالد ترامب إلى الرئاسة في الولايات المتحدة وربما يقرر سحب قوات بلاده من شمال شرقي سورية، وعندها ستضطر قسد إلى تخفيض سقف مطالبها من النظام إلى الحد الأدنى".
وأشار إلى أن التعاون بين "قسد" والنظام "موجود بالفعل اليوم في منطقة تل رفعت بريف حلب الشمالي وفي عين العرب شمال شرقي حلب، وبرعاية روسية، مضيفاً أنّ "خيارات قسد منحصرة بالتنسيق مع النظام بوساطة روسية".
وقال: "ربما يحاول الروس احتواء هذه القوات واعطاءها بعض المكاسب لتبقى ورقه بيدهم يتم استخدامها ضد تركيا عند الحاجة كما حدث عندما تم إسقاط الطائرة الروسية من قبل الأتراك في 2015، حيث دعمت موسكو الوحدات الكردية فسيطرت على جانب من ريف حلب الشمالي على حساب الفصائل المدعومة من تركيا".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!