ترك برس
تناول تقرير تحليلي للكاتب والإعلامي التركي توران قشلاقجي، زيادة حالات الهجمات والاعتداءات على اللاجئين والأجانب في تركيا في السنوات الأخيرة، مع التركيز بشكل خاص على الاتجاهات العنصرية ضد العرب.
ويشير التقرير الذي نشرته صحيفة القدس العربي إلى أن هذه الاعتداءات لا تُعتبر حوادث فردية بل تعكس مشكلة عميقة الجذور في المجتمع التركي، تعود إلى تاريخ طويل من التفاعلات الاجتماعية والسياسية.
التقرير يناقش أيضًا الأسباب التاريخية لهذه الظاهرة، مشيرًا إلى التأثيرات التي تركتها الاستعمارات الغربية على تكوين الهويات الوطنية في المنطقة، وكيف أن هذه التأثيرات تجذرت في الوعي الاجتماعي والثقافي للأجيال المختلفة.
بالإضافة إلى ذلك، يتناول التقرير دور وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في تأجيج العنصرية وتشكيل الرأي العام تجاه اللاجئين، وكيف أن الظروف الاقتصادية والسياسية تؤثر أيضًا في هذه الديناميكيات.
أخيرًا، يشدد التقرير على أهمية تعامل الحكومة والمجتمع التركي مع هذه القضية بشكل فعال، مشيرًا إلى أن التعاون مع الدول العربية والاهتمام بالأنشطة الثقافية قد يسهم في تخفيف حدة هذه الصراعات الثقافية والاجتماعية.
وفيما يلي نص التقرير:
شهدت تركيا في السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في الهجمات والاعتداءات على اللاجئين والأجانب، انطلاقا من دوافع عنصرية، تُعتبر هذه الاعتداءات حوادث فردية ومشاجرات عابرة في النظرة العامة، لكن يُلاحظ ارتفاع الاتجاهات العنصرية خاصة تجاه العرب. ولا شك أن انتشار العنصرية بسرعة عبر منصات التواصل الاجتماعي يثير التساؤلات حول ما إذا كانت هذه الاتجاهات مشكلة عميقة الجذور أم لا.
الهجمات المتزايدة على العرب، على الرغم من أنها تنبع من رد فعل ضد اللاجئين السوريين، إلا أنها تمتلك جذورا تاريخية تعود إلى مئة عام. في هذه المنطقة، بنيت الدول القومية على يد البريطانيين والفرنسيين، ومن ثم بدأت تخلق أعداء جددا لها، وأصبحت القوى الاستعمارية والإمبريالية تحرض الأتراك على العرب والعرب على الأتراك، وتخلق العداوات بينهم، لتحمي بذلك نفسها من سهام الاتهامات.
العداء للعرب الذي تم خلقه في تركيا هو في الواقع عداء للإسلام، حيث يتم توجيه الانتقادات نحو العرب واللغة العربية، لعدم قدرتهم على إبداء الكراهية الصريحة للإسلام والمسلمين. وعلى مدى القرن الماضي، تم تأصيل كراهية العرب والإسلام في عقول الأجيال الجديدة، سواء عبر الكتب المدرسية، أو حتى مقالات الصحف والوسائل الأخرى. وعلى الرغم من أن حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان، نجح في هدم هذه العداوات إلى حد كبير، خلال الـ23 عاما الماضية، إلا أن الجماعات المرتبطة بالغرب والصهيونية تواصل تحريك هذه الديناميكيات في هيكلية هذه المنطقة ذات الثقافات المتعددة. جذور العنصرية في تركيا تكمن في مفهومي «التركي الأبيض» و»التركي الأسود». فمنذ تأسيس الجمهورية في عام 1923، تم تقسيم المجتمع التركي المعاصر بهذه الطريقة. الطبقة النخبوية المتجهة نحو الغرب تستهين بالمجتمع القروي المحافظ وتقلل من شأنه، معتبرة أن القوة والثروة يجب أن تظلا تحت سيطرتها.
وخلال حملته للانتخابات البرلمانية عام 2015، تناول الرئيس أردوغان هذه المسألة قائلا: «يطلقون علينا صفة الأتراك السود، وأنا أفتخر بأني تركي أسود»، كما أكد أنه لا يفرق ولا يميز بين مواطنيه إطلاقا، سواء كانوا أتراكا أو عربا أو أكرادا أو أي عرق آخر. منذ عام 2015، أسست تركيا إدارة الهجرة بدلا من شعبة الأجانب في مديرية الأمن. لكن لا تزال هناك حاجة إلى المزيد من الخبرة في التعامل مع أعباء اللاجئين والمهاجرين ودمجهم في المجتمع التركي. وتُعتبر الصعوبات الاقتصادية عاملا يؤثر في النظام الاجتماعي والسياسي. وهذا يسهم في زيادة العنصرية والتمييز تجاه اللاجئين، لاسيما العرب، حيث يتم رفضهم من قبل القطاع العلماني على وجه الخصوص. تشير الدراسات الأكاديمية حول اللجوء والهجرة في تركيا إلى وجود دور مهم لوسائل الإعلام في توجيه وتشكيل الرأي العام. ويتسبب تضخيم الأحداث السلبية في نشر الخوف والقلق لدى المجتمع، ما يؤدي إلى زيادة العنصرية تجاه اللاجئين. وعلى الرغم من ذلك، فإن نحو 75 في المئة من الأتراك لا يمتلكون أحكاما مسبقة في هذا الإطار.
في المحصلة، تظهر معاداة العرب والعنصرية بشكل عام في تركيا كمشكلة معقدة تشكلها الجذور التاريخية والسياسات الحالية والديناميات الاجتماعية. إن طريقة تعامل الحكومة والمجتمع مع هذا الوضع ستكون محورية وحاسمة بالنسبة إلى التطورات في المستقبل. كان من الأجدر أن تعطي الدول العربية أهمية للأنشطة الثقافية وفعاليات الجمعيات التي تعزز التفاهم بين الشعوب التركية والعربية، بدرجة اهتمامها بالتجارة في تركيا. وبجانب العرب الذين يحملون الجنسية التركية منذ السابق، فقد اقترب عدد السكان العرب في تركيا من 15 مليون نسمة بما في ذلك أولئك الذين هاجروا من سوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا في السنوات الـ13 الماضية. ومع الأسف، لم تتمكن المئات من الجمعيات العربية التي تنشط في تركيا من إقامة علاقات مع المجتمع التركي خلال هذه الفترة، ولم تبذل الدول العربية جهودا جادة لحل هذه المسألة بالتعاون مع الدولة التركية. لقد تصدرت التجارة المشهد دائما، ولكن لم تُتخذ الخطوات اللازمة لإفساد المؤامرات والمخططات التي تحاك ضد هذه المنطقة. هذا مؤسف، مؤسف جدا..
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!