ترك برس

روى ياسين أقطاي، الأكاديمي والمستشار السابق لرئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، ما شاهده في "ديوانيات" الخليج، من أصداء أحداث العنف الأخيرة ضد السوريين بولاية قيصري التركية.

والديوانية أو الديوان في المجتمع الكويتي خصوصا والخليجي عموما أحد أهم معالمه، فالديوان أو المجلس ظاهرة معروفة في المجتمعات الخليجية، وتعد جزءا من التراث الكويتي خاصة لارتباطها بالحياة الاجتماعية والسياسية في البلاد، وتمثل المنتدى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي على الصعيدين الداخلي والخارجي، بحسب أقطاي.

الأكاديمي والبرلماني السابق قال إن "هناك اهتمام كبير بتركيا في كل الديوانيات التي حضرناها، فمعظم الكويتيين ينظرون إلى تركيا على أنها وطنهم الثاني، ومن بين كل ثلاثة كويتيين نتعرف عليهم، نجد اثنين على الأقل يخططون للسفر إلى تركيا أو زاروها بالفعل أو لديهم عقار أو استثمار هناك، أو أنهم أرسلوا ابنهم للدراسة في إحدى جامعاتها، أو تلقوا علاجًا طبيًّا في مستشفياتها".

وأضاف في مقال له على موقع "الجزيرة مباشر": هذه الحالة لا تنطبق فقط على مواطني الكويت، بل أيضًا على المواطنين القَطَريين والسعوديين والإماراتيين والبحرينيين والعُمانيين الذين شرعوا مُؤخرًا في إعادة تنشيط حركة السفر بأغراضه المتنوعة إلى تركيا.

وفيما يلي تتمة المقال:

ولهذا أصبح تدفق السياح من هذه الدول إلى تركيا في الآونة الأخيرة مصدر دخل مهم لتركيا، سواء لغرض التعليم أو العلاج أو السياحة الثقافية أو الدينية أو التاريخية، أو الاستثمار الاقتصادي، ومن المتوقع أن تستمر هذه الحركة في النمو والتطور.

واليوم لا تزال الاستثمارات التي تجذبها تركيا من دول الخليج حاليًا غير قابلة للمقارنة مع تلك التي تجذبها من بريطانيا وهولندا وإيطاليا وفرنسا. ومن الواضح أن تركيا -من ناحية- لا تزال بحاجة ماسة إلى هذا التدفق السياحي الذي سيدر عليها أرباحًا كبيرة، إلى جانب الرغبة القوية من طرف عرب دول الخليج في زيادة هذا التدفق من ناحية أخرى.

لذلك يتعين على وزارة التجارة وإدارة الهجرة ووزارة العمل، أن تتعاون معًا لإجراء دراسات جادة حول مدى ملاءَمة تركيا للمستثمرين الأجانب.

هناك عمليات تجعل الأجانب الذين يستثمرون في تركيا يندمون ألف مرة على ما قاموا به من استثمارات أو ما سيقومون به ونحن غير مدركين لهذا. ومن المفيد الاستماع إلى آراء هؤلاء المستثمرين الأجانب واستخدام البيانات والأرقام الميدانية المباشرة والتجارب الحقيقية، ومعالجة مشاكل التوافق داخل النظام. ففي الواقع لا يمكن جذب المستثمرين الأجانب بأنظمة نظرية لم تمر بأي تجربة ميدانية حقيقية. وإنه لأمرٌ محزنٌ للغاية أن نسمع أن بعض الدول التي لا قدرة لها على منافسة تركيا، قد أصبحت اليوم أكثر جذبًا للمستثمرين الأجانب.

ومن ناحية أخرى كانت الشكوى الأكثر تأثيرًا هي معاداة الأجانب التي ازدادت مؤخرًا؛ حيث إن الأشخاص الذين يفضلون تركيا للاستثمار أو التعليم أو العلاج أو السياحة العادية بدافع حبهم لتركيا وشعورهم بارتباطهم الوثيق بها، يمرون بأحداث ومواقف غير واردة في أي بلد آخر. متى سندرك ونبدأ باتخاذ خطوات حاسمة بخصوص تحوُّل مشكلة معاداة العرب القاسية والمتدنية إلى تهديدٍ خطير لأمن تركيا ومكانتها وقيمتها التجارية ومستواها؟

وفي إحدى “الديوانيات” التي حضرها العديد من المستثمرين أصحاب الاستثمارات الكبيرة في تركيا، وبينما كنا نشرح جهود تركيا على مدار 13 عامًا مع السوريين، بدأت أخبار حادثة التخريب العنصري في قيصري تنتشر في وسائل الإعلام.

ولسوء الحظ أن هذا التطور لم يكن مفاجئًا على الإطلاق، فمن الطبيعي أن تقود الاستفزازات التي يقوم بها سياسيون فاسدون يَقتاتون على التحريض العنصري والاستثمار في الجهل إلى مثل هذه النتائج الفجة. وهذه إحدى القضايا التي تفرض علينا أن نتحمل عواقب أفعالنا، بمعنى أنه يجب أن يكون لهذه الاستفزازات والتحريضات عقوبة في قوانيننا.

ولعل لقائل أنْ يقول إنَّ العنصرية في حد ذاتها قد تدخل في نطاق حرية التعبير، لكن تحريض الناس ضد بعضهم البعض بترويج الأكاذيب وخطاب الكراهية وتشجيعهم على ارتكاب الجرائم، لا يُعد من حرية التعبير. إن المرحلة التي وصلت إليها الأحداث الآن هي إرهاب واضح، ويبدو جليًّا أن هذا التحريض العنصري سيؤدي إلى مزيد من الخسائر في الأرواح والممتلكات.

والسؤال الذي يجب طرحه في الوقت الراهن: لماذا لم يتم اتخاذ أي إجراء لوقف ذلك؟!

إن معاداة الأجانب ليست أصيلة في المجتمع ليأتي أشخاص لاستغلالها كما يُعتقد، بل إن وجود أشخاص جاهزون لاستغلال أي حدث وتهيئته لصالح أهداف معينة هو الذي يجعل معاداة الأجانب ومشاعر الكراهية والرغبة في ارتكاب جرائم ضدهم خيارًا ممكنا للبعض.

ولهذا فمن الضروري إغلاق هذا الباب وسده فورًا. وبمجرد سد هذا الباب ستتقلص وربما مشاعر الاستياء التي قد تنشأ تجاه اللاجئين في تركيا إلى حدودها الطبيعية وربما تتلاشى. كما أن اتخاذ التدابير اللازمة لمنع خطاب الكراهية والعنصرية من أن يصبحا مصدرا للرزق السياسي صار أمرًا حتميًّا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!