إسلام الغمري - خاص ترك برس

مع أداء دونالد ترامب اليمين الدستورية رئيساً للولايات المتحدة لفترة رئاسية جديدة، تبدأ مرحلة جديدة من التحولات السياسية التي تحمل انعكاسات كبرى على القضية الفلسطينية والعالم الإسلامي. تأتي هذه المرحلة في سياق عالمي معقد ومتغير، حيث تزداد التحديات أمام القوى الإقليمية والدول الإسلامية في ظل سياسات متوقعة من إدارة ترامب التي تتسم بالبراغماتية الحادة والتوجهات الشعبوية.

القضية الفلسطينية: استمرار الانحياز الكامل لإسرائيل

تاريخياً، ارتبطت إدارة ترامب بدعم غير مسبوق لإسرائيل، بدءاً من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وصولاً إلى الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل. وفي فترة ما قبل عودته للبيت الأبيض، أعلن ترامب دعمه الكامل لما سماه “اتفاقيات التطبيع”، التي عززت نفوذ إسرائيل الإقليمي دون تقديم تنازلات للفلسطينيين.
إن العودة المرتقبة لترامب للبيت الأبيض تُنذر بتصعيد الضغوط على السلطة الفلسطينية لدفعها إلى قبول حلول مجحفة أو مزيد من “التطبيع الإجباري” مع دول المنطقة دون تحقيق أي تقدم يذكر في حقوق الفلسطينيين، خاصة في ظل تأييد ترامب للاستيطان واستبعاد حل الدولتين كخيار أساسي.

حركات المقاومة الفلسطينية: استهداف متوقع

حركات المقاومة الفلسطينية، وخاصة حركة حماس، قد تواجه تحديات كبيرة مع عودة ترامب للسلطة. إدارة ترامب السابقة صنفت حماس كـ”منظمة إرهابية” وفرضت عقوبات مشددة على داعميها. العودة للرئاسة قد تعني تصعيداً أكبر في سياسات العزل والضغط على الحركة، سواء من خلال تعزيز الحصار المفروض على غزة أو تحفيز دول المنطقة على قطع الدعم السياسي والمالي عنها.

من ناحية أخرى، فإن الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل قد يتيح لها مساحة أوسع لتنفيذ عمليات عسكرية ضد قطاع غزة، وهو ما سيضع حركة حماس وحركات المقاومة الأخرى أمام اختبارات صعبة على المستوى السياسي والعسكري.

في المقابل، يمكن لحركة حماس أن تستفيد من حالة الاستقطاب الدولي في بناء علاقات استراتيجية مع أطراف مثل إيران وتركيا وحتى روسيا، لمواجهة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية المتوقعة.

تركيا: بين التوتر والتوازن

تركيا، كعضو رئيسي في حلف الناتو وقوة إقليمية بارزة، تواجه تحديات متزايدة مع إدارة ترامب. علاقات أنقرة وواشنطن شابها الكثير من التوترات في ولايته الأولى، بسبب دعم الولايات المتحدة للأكراد في سوريا والعقوبات الاقتصادية. ومن المتوقع أن تعيد إدارة ترامب هذه الملفات إلى الواجهة، مع احتمال فرض مزيد من الضغوط الاقتصادية والسياسية على أنقرة.

ورغم ذلك، قد تشهد العلاقة بعض المرونة، حيث قد يسعى ترامب لتوظيف تركيا كقوة توازن في وجه روسيا وإيران في المنطقة، مع استمرار محاولاته لتحقيق مصالح الولايات المتحدة في الملفات الشائكة مثل ليبيا والبحر الأبيض المتوسط.

إيران: سياسة الحصار القصوى مستمرة

لا شك أن إيران ستكون في صدارة أولويات إدارة ترامب، لا سيما في ظل استمرار نهجه المتشدد تجاه طهران. انسحاب ترامب من الاتفاق النووي خلال ولايته الأولى، وسياسة العقوبات القصوى التي انتهجها، أدت إلى أزمات اقتصادية وسياسية حادة في إيران. عودته للرئاسة قد تعني تصعيداً إضافياً، وربما تحركات عسكرية أو تحالفات إقليمية لمحاصرة النفوذ الإيراني، خاصة مع تقارب بعض الدول العربية مع إسرائيل.

روسيا: شراكة ملغومة ومنافسة محتدمة

على الرغم من الاتهامات التي وجهت إلى إدارة ترامب في ولايته الأولى بالتساهل مع روسيا، إلا أن العودة المرتقبة قد تفتح فصلاً جديداً من المنافسة الجيوسياسية بين البلدين. روسيا، التي عززت وجودها في الشرق الأوسط من خلال تدخلها في سوريا ودعمها لإيران، قد تجد نفسها في مواجهة سياسات أمريكية أكثر تشدداً، خاصة إذا اعتبر ترامب تعزيز النفوذ الروسي تهديداً لمصالح بلاده في المنطقة.

العالم الإسلامي: تفاقم الأزمات وتعميق الانقسامات

إن سياسة “أمريكا أولاً” التي يتبناها ترامب تمثل تحدياً كبيراً للعالم الإسلامي، حيث تتزايد احتمالات تعزيز الانقسامات الداخلية بين الدول الإسلامية بسبب الأزمات الإقليمية، مثل الصراعات في ليبيا واليمن وسوريا. كما أن السياسات الأمريكية الجديدة قد تضعف أي محاولات لتحقيق وحدة الموقف الإسلامي، خاصة في ظل تنامي النفوذ الإسرائيلي في المنطقة.

ختاماً: ما الذي ينتظر العالم الإسلامي؟

إن عودة ترامب للرئاسة تمثل اختباراً جديداً للعالم الإسلامي في ظل سياساته التي تعتمد على تحقيق المكاسب الأمريكية بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب حقوق الشعوب وقضاياها العادلة. القضية الفلسطينية هي الأكثر تأثراً، وحركات المقاومة قد تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع إدارة أمريكية منحازة تماماً لإسرائيل.

في هذا السياق، من الضروري أن تعمل الدول الإسلامية وحركات المقاومة على تعزيز التنسيق المشترك وبناء تحالفات قوية لمواجهة التحديات القادمة، والاستعداد لمرحلة تتطلب مرونة ودبلوماسية عالية للحفاظ على المصالح الوطنية والإسلامية.

إسلام الغمري
نائب رئيس مركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس