ترك برس
تناول مقال للخبير التركي سليمان سيفي أوغون، الأسباب التي أدت إلى انسحاب الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن من السباق الانتخابي لعام 2024 مستعرضًا تقدمه في السن وأداءه ومواقف الشخصيات السياسية التي أثرت في هذا القرار.
المقال سلط الضوء على الخيارات المحتملة للمرشحين الديمقراطيين في ظل انسحاب بايدن، وكيف يمكن أن تؤثر كامالا هاريس على نتائج الانتخابات، والاستراتيجيات المتبعة من قبل الديمقراطيين لمواجهة الرئيس السابق دونالد ترامب.
يستعرض المقال الذي نشرته صحيفة يني شفق، أداء كامالا هاريس كنائبة للرئيس وتقييم أدائها السياسي والقيادي، مشيرًا إلى النقاط القوية والضعيفة في مسيرتها، وكيف يمكن أن تؤثر على فرصها في الانتخابات.
وفيما يلي نص المقال:
لقد كان انسحاب بايدن من الانتخابات أمرا متوقعا، فقد كان من الواضح أنه لن يتمكن من الفوز أمام ترامب الذي يتمتع بصحة جيدة، نظرا لتقدمه في السن وحركاته الخرفة والمترنحة، وواصلت الأوليغارشية الديمقراطية حتى تمكنت من كسر عناده وخاصة عناد زوجته. كان باراك أوباما من بين الشخصيات الرئيسية التي لعبت دورا في هذا القرار. ومن المحتمل أن أوباما كان يفكر في زوجته ميشيل أوباما كبديل لبايدن. لكن لأسباب أو دوافع قد يصعب تحديدها، لم تكن ميشيل متحمسة لهذه الفكرة. فمن المعروف أن ميشيل أوباما هي المرشحة التي يمكنها أن تشكل التحدي الأكبر لترامب، حيث تحظى بدعم شعبي كبير. ورغم ذلك، فهي لا ترغب في الترشح. ويرجع البعض ذلك إلى اتسامها بالحذر الشديد، وربما ليست واثقة من قدرتها على سد الفجوة في الوقت المتبقي، والتي اتسعت لصالح الجمهوريين بنسبة تصل إلى 6% بعد المناظرة الأخيرة بين الديمقراطيين والجمهوريين. لم تعقد بعد المؤتمرات التي ستحسم المرشح الديمقراطي. ولا يمكن التنبؤ بما سيحدث، فربما يتم إقناع ميشيل أوباما في اللحظة الأخيرة للترشح. لكن في الوقت الحالي، يبدو أن الساحة متروكة لكمالا هاريس. خاصة أن الدعم والتبرعات التي تتدفق نحو كمالا هاريس من الأسماء المتداولة الأخرى، تعزز هذا الاحتمال بقوة. إذا لم يحدث تطور استثنائي فستكون كمالا هاريس المنافسة لترامب.
منذ أن بدأ تداول اسم كامالا هاريس، نجحت في جمع وتوحيد القاعدة الديمقراطية. وتضاءلت الفجوة في التوقعات الانتخابية من 6% إلى ما بين 2-2.5%. وإذا تم تأكيد ترشيحها، فإن مهمة ترامب في المناظرة الثانية ستكون أكثر صعوبة. فقد شغلت كامالا هاريس منصب المدعي العام على المستويين المحلي والفيدرالي لسنوات طويلة، واعتادت على المناظرات الحادة بين النيابة والدفاع في قاعات المحاكم، حيث كانت تعرف بنجاحها الكبير في هذا المجال. من المؤكد أنها ستستفيد من هذه القدرات والخبرات في مواجهة ترامب. وقد تنقلب النتيجة ضد ترامب في المناظرة الثانية، وإذا حدث ذلك، فإن هزيمته في المناظرة الثالثة ستكون محتملة جدا.
من جهة أخرى، لم تظهر كامالا هاريس أي بريق ملحوظ في أدائها كنائبة للرئيس. فقد قدمت أداء باهتا للغاية، وأظهرت في بعض الأحيان سلوكيات مليئة بالعيوب. فلم تحقق أي تقدم في مشاريعها الطموحة مثل قانون الرعاية الصحية للجميع والصفقة الخضراء الجديدة. ولم تقترب كتاباتها وخطاباتها حول معالجة عدم المساواة الاجتماعية في الولايات المتحدة من تقديم حلول فعلية، بل اقتصرت على تقديم ملاحظات لافتة. باختصار رغم خطابها المليء بالشعارات الاجتماعية، لم تتمكن كامالا هاريس من الخروج عن النهج الليبرالي النخبوي المعروف.
سبق أن ذكرت أنني أجد الأوساط التي تعتقد أن فوز ترامب في الانتخابات أمرا محتما وتؤمن بذلك منذ الآن، متسرعة في حكمها. نحن ندرك أن النظام المؤسسي في الولايات المتحدة تهيمن عليه بشكل كبير الكوادر النيوكونية العسكرية. وهذه السيطرة لها جانبان: الأول هو الجانب العقلاني وهو السياسة الواقعية والبعد الاقتصادي الحقيقي. فقد فقدت الولايات المتحدة تفوقها الاقتصادي في العديد من القطاعات، ولم يتبق لها سوى قطاع يحتفظ بتفوقه وهو صناعة وإنتاج الحروب. وتعتقد الولايات المتحدة أنها تستطيع الحفاظ على هيمنتها العالمية من خلال استغلال هذا التفوق.
أما البعد الثاني، فهو اقتران هذا البعد الواقعي والعقلاني برؤية جيوسياسية شديدة الذاتية وغير عقلانية. هذه هي الصورة العامة للأوليغارشية الديمقراطية والنظام المؤسسي الأمريكي الذي تسيطر عليه. المشكلة الأساسية هنا هي أن الفاتورة النهائية يتم تحميلها للشعب الأمريكي وسيظل يتحملها. وأي مؤيد عادي لترامب يُتَّهم بالجهل، يدرك هذا الأمر إلى حد ما. وهنا يتدخل ترامب بخطاب شعبوي ليهاجم الاقتصاد الحربي. فهو لا يستخدم معيارا أخلاقيا لمعارضة الحروب، بل يعتمد على معيار اقتصادي، حيث يرى أن الاقتصاد الحربي ليس بالاقتصاد الذي يتصورونه، بل يجلب تكاليف وخسائر لأمريكا أكثر مما يحققه من الأرباح. ويرى ترامب أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا لا تحمل قيمة اقتصادية، وأن المواجهة مع كوريا الشمالية أو الصين لا معنى لها، لأنها تزيد من أعباء الولايات المتحدة.
اللافت للنظر هو أن الديمقراطية الأوليغارشية تتشارك معها في نفس الرؤية الجيوسياسية، ولحكمة ما، تتبع منطقا جيوسياسيا بدلا من منطق اقتصادي. ربما يكون تخفيف ترامب من حدة التوتر مع الصين وروسيا، وتشجيعه لإسرائيل، وإثارة القلق في إيران وتزامنها معا، نتيجة لهذا التناقض. لذا يجب ألا نبالغ. إن كراهية الأوليغارشية الديمقراطية لترامب مرتبطة في المقام الأول بالنسبة والمقياس. فالمشكلة ليست في توقف ترامب عن تشغيل محرك الاقتصاد الحربي بكامل طاقته، بل في تخفيفه لسرعته.
من الواضح أن الديمقراطية الأوليغارشية والنظام المؤسسي في الولايات المتحدة لا يرغبان في عودة ترامب. ورغم صعوبة التنبؤ بمدى قدرته على تحقيق أهدافه، إلا أنه من المؤكد أن عودته المحتملة ستكون أكثر حزما وتصميما. وقد أشار فانس بالفعل إلى نيتهم في تصفية الكوادر الحالية دون تردد. وأدركت الديمقراطية الأوليغارشية استحالة منع عودة ترامب من خلال ترشيح بايدن. لذا قرروا إجراء مناظرة مبكرة ـ خلافا للأعراف ـ وإقصاء بايدن. ولجذب الأصوات اللاتينية والأفريقية الأمريكية التي تحولت إلى ترامب، اختاروا مرشحا من العرق الملون بدلا من الأبيض مثل بايدن. كما أن اختيار أن يكون المرشح امرأة كان يهدف إلى استقطاب الناخبات اللواتي صوتن لترامب. باختصار كان الهدف هو ترشيح شخصية قوية مثل ميشيل أوباما أو كامالا هاريس بدلا من مجرد رجل حاكم.
أعتقد أن الأوليغارشية لم ترغب في اختيار شخصية قوية مثل ميشيل أوباما، ذكية وتمتلك قاعدة اجتماعية قوية وحياة متوازنة وتتمتع بصحة جيدة وقد تكون قادرة على رفضهم عند الحاجة، رغم أنها قد تضمن الفوز في الانتخابات. وبدلا من ذلك قرروا اختيار كامالا هاريس، التي جاءت من خلفية قضائية ولم تكن تحظى بدعم كبير في القاعدة وذات شخصية ضعيفة وأكثر إدمانا على الكحول. ولكن لا شيء مؤكد حتى الآن. فإذا تم ترشيح ميشيل أوباما بشكل مفاجئ في مؤتمر الحزب الديمقراطي، فإن ذلك سيشير إلى أن الديمقراطيين قد اكتشفوا وجود خطر كبير في استطلاعات الرأي التي قاموا بها، وأنهم اضطروا إلى الدفع بأوباما رغم عدم رغبتهم بذلك. أما إذا لم يحدث شيء من هذا القبيل، فمن الواضح أنه لم يعد هناك أي عائق أمام كامالا هاريس في الوقت الحالي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!