ترك برس

سلط مقال تحليلي للكاتب والإعلامي التركي طه كلينتش، الضوء على دور قطر المحوري والمتزايد كمركز جذب إسلامي سياسي وثقافي في المنطقة.

وأوضح الكاتب أن قطر تحولت من دولة صغيرة إلى قوة مؤثرة في الساحة الدولية والعالم الإسلامي، بفضل سياساتها الفريدة واستثماراتها في مجال الطاقة والموارد البشرية والدبلوماسية.

وقال كلينتش إن منطقة الخليج العربي شهدت منذ القرن السادس عشر، سلسلة من الاحتلالات، بدأت بالبرتغاليين ثم حلت محلهم بريطانيا. وقد استغل البريطانيون موقع الخليج الاستراتيجي الواقع في قلب طرق التجارة بين بلاد الشام والهند، فأسسوا مستعمرات مربحة. واستمر النظام البريطاني في العمل دون انقطاع تقريبًا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، لكنه شهد تحولات جذرية مع تغير التوازنات الدولية.

وذكر أنه في عام 1951، حصلت عمان على استقلالها عن بريطانيا، تلاها الكويت في عام 1961. واقترحت لندن على إمارات الخليج الأخرى أن تتوحد تحت مظلة اتحاد فيدرالي مكون من تسع إمارات، فوافقت سبع منها (أبوظبي، دبي، الشارقة، رأس الخيمة، عجمان، الفجيرة، أم القيوين) على هذا الاقتراح، وشكلت دولة " الإمارات العربية المتحدة"، بينما فضلت قطر والبحرين أن تكونا دولتين مستقلتين.

وأضاف: "لطالما تميزت قطر بسياستها الفريدة وبنيتها المستقلة منذ زمن بعيد، وبعد استقلالها في عام 1971 ازدادت تميزاً عن باقي دول الخليج. وبفضل امتلاكها لحوالي 14% من احتياطيات الغاز الطبيعي المعروفة في العالم، لم تكتفِ باستخدام هذه الثروة الهائلة لتحقيق رفاه اقتصادي فحسب، بل استثمرتها أيضاً في تعزيز قوتها السياسية. وقد كثفت قطر جهودها في مجال الدبلوماسية العامة والتأثير على الرأي العام العالمي، وأصبحت قناة الجزيرة، التي بدأت البث في عام 1996، واحدة من أقوى أوراق قطر في هذا الصدد".

وتابع المقال:

كان الدكتور يوسف القرضاوي، الذي اضطر إلى اللجوء إلى قطر من مصر في الستينات لأسباب سياسية، أحد أهم العوامل التي ساهمت في تعزيز مكانة قطر. وقد قدمت حكومة قطر الدعم الكامل للقرضاوي واستمعت إلى نصائحه، مما جعل الدوحة مركز جذب. وفتحت قطر أبوابها لكل من يواجه صعوبات في العالم الإسلامي، ولم تتردد في دفع الثمن السياسي لذلك. ورغم التوترات المتكررة مع جيرانها مثل السعودية والإمارات، إلا أن قطر أصرت على مواصلة مسارها والمضي قدماً.

وفي حين تصنف العديد من الدول جماعات مثل الإخوان المسلمين وحماس وحركة النهضة وغيرها على أنها "منظمات إرهابية"، فقد احتضنتها قطر، مما أكسبها مكانة فريدة ومتينة على الساحة الدولية. وفي هذا الصدد لا يعد اختيار الدوحة مركزاً للمفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة محض صدفة. وقد أسس القرضاوي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مما جذب العديد من العلماء والمفكرين المسلمين إلى قطر. وبينما واصل العديد من الشخصيات البارزة مثل العراقي علي القرداغي والموريتاني محمد الحسن الددو نشاطاتهم العلمية في الدوحة، تمركزت الذاكرة السياسية للعالم الإسلامي في الدوحة، مستقطبةً شخصيات مثل الرئيس الشيشاني الأسبق "سليم خان يندرباييف"، والزعيم الأسطوري السابق لـ "لجبهة الإسلامية للإنقاذ" في الجزائر، عباسي مدني. وفي الأسبوع الماضي ووري جثمان القائد إسماعيل هنية الثرى في قطر".

كانت المملكة العربية السعودية قد لعبت في القرن الماضي الدور المحوري الذي تلعبه قطر اليوم في منطقة الخليج. فقد كانت جدة ومكة والمدينة ملاذاً آمناً للعديد من الشخصيات البارزة التي كانت تعاني من الاضطهاد وانعدام الحريات في بلدانها. حيث وفرت السعودية اللجوء لشخصيات علمية وسياسية من سوريا ومصر والعراق وغيرها من البلاد الإسلامية، مما أتاح لها الفرصة لرفع مستواها العلمي والفكري. ويعد إنشاء "الجامعة الإسلامية" بالمدينة، التي افتتحها الملك فيصل الراحل، مثالاً بارزاً في هذا السياق، يستحق الدراسة بعناية.

واليوم، إذا كانت الدوحة تحتل مكانة بارزة بين دول الخليج، التي كانت قديماً أشبه بقرى صيد كبيرة، فذلك يعود إلى السياسات التي أشرنا إليها أعلاه. ففي حين ركزت الدول المجاورة على المكاسب الاقتصادية في مجالات السياحة والبنوك والرياضة والترفيه، فإن الخيارات السياسية التي اتخذتها إدارة قطر جعلتها قوة مؤثرة في النظام الدولي، وأسهمت في إبقاء بعض الآمال المتعلقة بمستقبل العالم الإسلامي حية.

إن ظهور مدينة حديثة وجديدة كلياً مثل الدوحة، تلعب دوراً محورياً في مستقبل المسلمين، جنباً إلى جنب مع المدن الإسلامية المتجذرة والعريقة، يقدم مادة غنية لمؤرخي المستقبل لدراسة تاريخنا المعاصر وكتابة قصصه.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!