ترك برس

تناول مقال تحليلي للكاتبة والصحفية المصرية صالحة علام، أبعاد الخطوات التصعيدية التي اتخذتها الحكومة التركية ضد سياسة إسرائيل في غزة، بما في ذلك انضمامها رسمياً لدعوى قضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.

وتطرق المقال الذي نشره موقع الجزيرة مباشر إلى الخطوات القانونية التي اتخذتها تركيا لدعم موقف جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، وكيف أن هذه الخطوات تعكس محاولة تركيا لدعم القضايا الإنسانية وتعزيز دورها الإقليمي.

واستعرض المقال كيف أن تركيا تستفيد من التصعيد ضد إسرائيل على الصعيدين الدولي والاقتصادي، مشيرا إلى إمكانية لعبها دوراً أكبر كوسيط في التفاوضات وتقديم المساعدات الإنسانية.

كما لفت إلى احتمالية تزايد مكاسب تركيا من تصعيدها ضد إسرائيل، مع الأخذ في الاعتبار تزايد الضغوط الغربية على إسرائيل، وهو ما قد يسمح لأنقرة باتخاذ مواقف أكثر جرأة في هذا الملف.

وفيما يلي نص المقال:

في الوقت الذي لا تزال فيه مواقف أحزاب المعارضة التركية تراوح مكانها بشأن طوفان الأقصى، وما يحدث من تطهير عرقي وإبادة جماعية ضد المدنيين في قطاع غزة، حسمت الحكومة التركية أمرها وحددت موقفها بخطوات تصاعدية تدريجية محسوبة، سعت من خلالها إلى محاولة تحجيم الشراسة الإسرائيلية، ومنع اتساع نطاق وحشيتها، ولجم أحلامها التوسعية التي أصبحت تهدد جميع دول المنطقة دون استثناء..

إذ أعرب رئيس حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة عن عميق حزنه لاغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وإدانته لإرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل في فلسطين، لكنه أصر على توصيف حركة حماس ب “التنظيم الإرهابي”، محملا عملية “طوفان الأقصى” المسؤولية الكاملة عن هذا التصعيد شديد الخطورة الذي يشهده الشرق الأوسط.

وفي الجهة المقابلة لهذا الموقف الغريب من جانب المعارضة، قررت الحكومة التركية المضي قدما في خطواتها التصعيدية ضد سياسة الإبادة التي تمارسها إسرائيل في غزة، بعد أن استشعرت – على ما يبدو- عدم جدوى سياسة التريث التي انتهجتها منذ بداية طوفان الأقصى للضغط على إسرائيل، ودفع قادتها إلى مراجعة مواقفهم، والتراجع عن عدوانيتهم ضد مدنيين عزل لا حول لهم ولا قوة، والعمل على إنهاء هذه الحرب وتداعياتها الكارثية على الصعيد الإنساني.

فبعد عدة خطوات عقابية من جانب أنقرة ضد تل أبيب، تم الإعلان أخيرا عن إتمام الخطوات القانونية اللازمة لانضمامها رسميا لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.

وهي الدعوى التي تُتَهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة، وما تمثله هذه الأفعال الوحشية من خرق للقوانين الدولية، و انتهاك لكافة القيم الإنسانية والأخلاقية التي يؤمن بها العالم.

الخطوة التركية وإن كان من شأنها تعضيد موقف جنوب إفريقيا ودعمها على الصعيد القانوني، فإنها تصب من جهة أخرى في صالح أنقرة نفسها، حيث تساهم في إظهار مدى أهمية دورها الاستراتيجي في الدفاع عن القضايا الإقليمية، ومساهمتها الحيوية في السعي لتحقيق العدالة وإقرار مبادئ حقوق الإنسان على الصعيد الدول، مما يعزز مكانتها كقوة إقليمية صاعدة ومؤثرة تلعب دورا مهما فيما يخص قضايا العالم الإسلامي، ويمنحها وزنا دوليا يسهم في دعم مطالبها الخاصة بالانضمام لمنظومة مجلس الأمن بالأمم المتحدة بعد إصلاح ميثاقها وفق دعوى رئيسها، الذي أطلقها تحت عنوان “العالم أكبر من خمسة” في إشارة إلى الخمسة أعضاء الدائمي العضوية بمجلس الأمن، ومنحها مقعدا دائما داخل مجلس الأمن باعتبارها صوت المهمشين، والمدافع عن قضاياهم في المحافل الدولية.

وإذا كان البعض يتساءل عن الأسباب التي تقف وراء هذا الموقف التركي الذي يشير إلى انحياز واضح للحق الفلسطيني، وإدانة كاملة لكافة ممارسات الكيان الإسرائيلي الوحشية -وهو يخالف موقفها مع بداية طوفان الأقصى- الأمر الذي من شأنه وضعها في مرمى نيران حلفائها أعضاء حلف الناتو الداعمين لدولة الاحتلال، فإنه من المرجح أن تتزايد مكاسب الحكومة التركية من وراء تصعيدها المستمر ضد دولة الاحتلال على الصعيدين السياسي والاقتصادي، فسياسيا تدرك أنقرة جيدا أن الدول الغربية الداعمة لدولة الكيان بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية قد نفد صبرها من التعنت الإسرائيلي ورفض إنهاء الحرب.

واستمرار رفضها السماح بدخول المساعدات الإنسانية لغزة، إلى جانب عمليات الإبادة الجماعية التي تقوم بها ضد الشعب الفلسطيني أمام مرأى ومسمع من العالم أجمع، حتى وصل الأمر إلى تهديد بعض العواصم الأوروبية بوقف دعمها العسكري والسياسي لها حال استمرار سياستها المتعنتة تلك، التي انعكست سلبياتها على علاقة النخب الحاكمة في الدول الأوروبية والولايات المتحدة مع مواطنيها، ما أفسح أمام تركيا المجال رحبا لتصول وتجول مع دولة الاحتلال، وتتخذ خطوات تصعيدية ضدها دون قلق من توتر علاقاتها سواء بدول الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية..

وهو ما يمنحها القدرة على لعب دور أكبر فيما يخص مستقبل قطاع غزة عبر طرح نفسها كوسيط إيجابي في عملية التفاوض الدائرة حاليا لإنهاء الحرب، وفي إيصال المساعدات الإنسانية، وكذا في المشاركة بوضع الترتيبات الأمنية والسياسية لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب، بما في ذلك إمكانية وضع قوة عسكرية تركية في المناطق التي يتشابك فيها قطاع غزة مع دولة الاحتلال بهدف خفض التوتر وإعادة الهدوء لها، إلى جانب ضمان حصة معتبرة للشركات التركية في إعادة إعمار غزة.

وهذا يقودنا إلى المكاسب الداخلية التي تطمح الحكومة التركية فيها من وراء تصعيدها ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، فبعد خسارة الائتلاف الحاكم للانتخابات البلدية، وتراجع أصوات ناخبيه، وحدوث انشقاق كبير بينه وبين قاعدته الشعبية نتيجة التباين الشديد في الرؤى تجاه العديد من القضايا الداخلية منها والخارجية بين ما تتبناه القاعدة الشعبية وما تمارسه الحكومة من سياسة وما تتخذه من مواقف.

بدا ذلك واضحا منذ اندلاع طوفان الأقصى، إذ خرجت العديد من التظاهرات الشعبية التي طافت الشوارع وتمركزت في ميادين أغلب المحافظات التركية لدعم الشعب الفلسطيني، وللمطالبة بقطع العلاقات مع إسرائيل، بينما بدت سياسة الحكومة أكثر مهادنة ولينا بل ولطفا، حتى كانت الطامة الكبرى عندما تم نشر بيانات رسمية قبيل الانتخابات المحلية، أظهرت استمرار الصادرات التركية إلى إسرائيل – التجارية منها والعسكرية على حد سواء-، لتقوم المعارضة بتوظيف الأمر لمصلحتها، وتتهم الحكومة بدعم إسرائيل لتحقيق مكاسب اقتصادية على حساب أرواح المدنيين من الفلسطينيين.

ليأتي الرد عبر صناديق الاقتراع، ويوجه الشعب لطمة قوية للائتلاف الحاكم نتيجة عدم استجابته لمطالبهم، وتلكؤه في اتخاذ إجراءات عقابية ضد إسرائيل دعما للحق الفلسطيني، وتخسر الحكومة الانتخابات بفارق كبير عن المعارضة التي حققت انتصارا لم تكن تحلم به لولا سياسة الحكومة في بدايات طوفان الأقصى..

وسعيا لتصحيح هذا الخطأ، وتأكيدا على إدراكها لرسالة كتلتها التصويتية، ورغبة في استعادة زخمها، وإرضاءً لقاعدتها الشعبية، تأتي هذه الإجراءات التصعيدية ضد دولة الاحتلال، استعدادا لأية استحقاقات انتخابية مقبلة، وهو التصعيد المرجح أن تزيد حدته ما دامت إسرائيل مستمرة في سياسة التطهير العرقي، والإبادة الجماعية للفلسطينيين سواء باستخدام القوة العسكرية أو بواسطة التجويع الذي تمارسه ضد سكان قطاع غزة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!