ترك برس

شيعت إسطنبول قبل أيام الداعية والطبيب السوداني الفاتح ﻋﻠﻲ ﺣﺴﻨﻴﻦ، حيث دفن في مقبرة السلطان أيوب وسط المدينة التي زارها قبل عقود وبقي فيها لفترة تخللت إقامة علاقات وثيقة مع رئيس بلديتها آنذاك رجب طيب أردوغان، الذي زاره داخل سجنه وتنبأ بتوليه رئاسة تركيا.

وأعلنت أسرة الفاتح ﻋﻠﻲ ﺣﺴﻨﻴﻦ وفاته فجر الاثنين يوم 19 أغسطس/آب 2024 في إسطنبول بعد معاناة مع المرض، حيث قال نجله محمد الفاتح إن والده أدخل إلى العناية المركزة قبل وفاته بأسبوعين في أحد مستشفيات إسطنبول بعد معاناة من آثار التهاب رئوي حاد.

ولعب الفاتح علي الحسنين دورا مُهما في الدعوة إلى الإسلام في شرق أوروبا. كان ﻣﺴﺘﺸﺎﺭا للرئيس ﺍﻟﺒﻮﺳﻨﻲ الراحل علي عزت بيغوفيتش، وتولى رئاسة ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻷﻣﻨﺎﺀ في ﺠﻤﻌﻴﺔ ﺍﻟﻤﻐﺎﺭﺑﺔ بالنمسا، وأسس ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﺸﺮﻕ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ واﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﺑﺈﻗﻠﻴﻢ ﺑﻴﻬﺎﺝ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻮﺳﻨﺔ، وترأس ﻭﻛﺎﻟﺔ ﺇﻏﺎﺛﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ، بحسب ما نقلته "الجزيرة نت".

ولد الفاتح ﻋﻠﻲ ﺣﺴﻨﻴﻦ عام 1946 ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻛﺮﻛﻮﺝ ﺑﻮﻻﻳﺔ ﺳﻨﺎﺭ بالجنوب الشرقي السوداني.

الدراسة والتكوين

ﺗﺨﺮﺝ في ﻛﻠﻴﺔ ﺍﻟﻄﺐ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﺑﻠﻐﺮﺍﺩ، ﻭﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺩﺑﻠﻮﻡ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﺍﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ فيينا ﺑﺎﻟﻨﻤﺴﺎ، وبعدها أقام فترة في تركيا، وهناك تعرف على بيغوفيتش الذي تقلد لاحقا منصب رئيس جمهورية البوسنة والهرسك.

التجربة الدعوية

بدأت علاقة الفاتح علي حسنين بالقضية البوسنية حينما وفد مع طالبين سودانيين إلى يوغوسلافيا، من أجل دراسة الطب، وكان الثلاثة من مؤيدي جبهة الميثاق الإسلامي في السودان، وهي أحد تفرعات جماعة الإخوان المسلمين.

تجمع الشباب الثلاثة مع بعضهم لمدارسة القرآن والفكر الإسلامي، لما وجدوا أنفسهم في بلد شيوعي، حاولوا إحياء النزعة الإسلامية عند مسلمي يوغوسلافيا.

تواصلوا مع بعض الجمعيات الإسلامية في يوغوسلافيا ونسقوا معها، وكانت من بينها جمعية الشباب المسلم، التي قادها البروفيسور قاسم دوبراجا، مدير مكتبة الغازي خسروبيكوفيتش.

وكان اللقاء الأول بين الكتلة السودانية مع الكتلة اليوغوسلافية، بين الشيخ حسنين وعلي عزت بيغوفيتش، اللذين اتفقا على التنسيق وتأسيس مجموعة إسلامية، فأطلقا بيان مشتركا سمياه "البيان الإسلامي"، وقيل إنه جاء ردا على البيان الشيوعي الذي صاغه كارل ماركس وفردريك إنغلز.

نشأ عن التكتل الإسلامي إعلان تشكيل حركة إسلامية تحت اسم "الجماعة الإسلامية اليوغوسلافية"، واتفق حسنين مع بيغوفيتش على تمويل الجماعة بالاستثمار في سيارة تاكسي.

وكان من أولى نشاطات الجماعة طبع معاني ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ باللغات البوسنية والألبانية والبلغارية والتشيكية والرومانية، ﻭﺃﺻﺪﺭت كذلك ﻣﺠﻠﺔ "ﺍﻟﺸﺎﻫﺪﺓ"،‏ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻨﻴﺖ ﺑﺄﺧﺒﺎﺭ ﺍﻷﻗﻠﻴﺎﺕ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ هناك، وﺗﺮﺟﻤت ﻜﺜﻴﺮا ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺇﻟﻰ عدد من لغات ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ، ومن هذه الكتب:

- "المستقبل لهذا الدين" (للكاتب والمفكر المصري سيد قطب).

- "هذا الدين" للكاتب نفسه.

- "شبهات حول الإسلام" لأخيه محمد قطب.

- "المدخل للإسلام" للشيخ محمد حميد الله.

- كتاب "الأربعين النووية" للإمام يحيى بن شرف النووي.

- "رياض الصالحين" للمؤلف نفسه.

كانت هذه الكتب المترجمة بمثابة بداية انطلاق الصحوة الإسلامية في البوسنة، فعمّرت المساجد، وانتشرت فكرة ترجمة الكتب الإسلامية من العربية إلى البوسنية، الأمر الذي ساهم في إيقاظ الوعي الديني للبوسنيين المسلمين.

وقد واجهت عملية طباعة هذه الكتب الإسلامية بيوغسلافيا عددا من العقبات، إذ كانت ممنوعة في البلاد الشيوعية، وخاصة كتاب سيد قطب، وطاف به الشيخ حسنين على عدد من المطابع لكنها رفضت نشره، ووافقت إحداها بشرط الحصول على توقيع من وزير الداخلية والأمن اليوغسلافي، إضافة لموافقة السفارة السودانية في بلغراد، وهو ما لم يستطع توفيره.

كان للطبيب حسنين جار يعمل مع قيادة الحزب الشيوعي الحاكم ويترأس مطبعة حكومية، فلجأ له بغية طبع الكتاب، وبعد أخذ ورد معه معه وافق جاره شريطة ألا يكتب اسم سيد قطب، فقرروا كتابة الأحرف الأولى من اسمه، وكتابة اسم الشيخ الفاتح بالخط العريض باعتباره المترجم، وذكر موقع الطباعة بالسودان، وهكذا طبع الكتاب وانتشر في مدن يوغسلافيا المختلفة.

وعقب نشاطه في ترجمة الكتب الإسلامية، اقتادت السلطات اليوغوسلافية حسنين إلى مركز للتحقيق، وأفرجت عنه عقب تحقيق مطول.

غادر الشيخ حسنين يوغسلافيا متوجها إلى السودان ثم الخليج للعمل طبيبا، وكان يلتقي ببيغوفيتش من فترة وأخرى في تركيا والنمسا والإمارات.

اقترح بيغوفيتش عام 1983 على صديقه الفاتح إعلان تنظيم إسلامي معارض في البلقان بعد تآمر الحكومة اليوغوسلافية على المسلمين، لكن الحكومة انتبهت لذلك الحراك، فاعتقلت بيغوفيتش فور عودته من الإمارات، وقدمته للمحاكمة.

أطلق سراح بيغوفيتش عام 1988، وترأس بعدها حزب العمل القومي، ودعى حينها للاستفتاء الوطني بشأن استقلال البوسنة عن يوغسلافيا، فحصل على تأييد 99.4% من المصوتين.

وقاد ذلك إلى إعلان استقلال البلاد في مارس/آذار 1992، وصار بيغوفيتش رئيسا لجمهورية البوسنة والهرسك، وعين الفاتح حسنين مستشارا له.

وتقول المصادر إن وﻛﺎﻟﺔ العالم الثالث التي أسهها الفاتح حسنين في النمسا أسهمت بشكل كبير في ﺇﻧﺸﺎﺀ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﺒﻮﺳﻨﺔ ﻭﺍﻟﻬﺮﺳﻚ، ﻭﺩﻋﻢ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﺷﺮﻕ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ، وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺃﻟﺒﺎﻧﻴﺎ ﻭﻛﻮﺳﻮﻓﻮ.

إلى تركيا

يرتبط الفاتح بعلاقة وثيقة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ سبعينيات القرن العشرين، حيث التقيا خلال اجتماعات التنسيق بين الحركات الإسلامية في أوروبا الشرقية، وحينها تنبأ الفاتح لأردوغان بمستقبل مشرق.

زار الفاتح أردوغان -الذي كان حينها رئيسا لبلدية إسطنبول– عند سجنه بعدما تآمر عليه خصومه.

وتنبأ الفاتح حسنين لأردوغان بأن يكون "رئيس تركيا المستقبلي"، وحينها استغرب أردوغان قائلا "أنا الآن في السجن، وممنوع من العمل السياسي، فكيف يمكنني أن أصبح رئيسا لتركيا؟".

ونسج الطبيب السوداني -الذي يصفه أردوغان بأنه شيخه ومعلمه- علاقات مع قادة العمل الخيري والدعوي في تركيا، وأسس ﻣﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﻐﺎﺯﻱ "ﻋﻠﻲ ﻋﺰﺕ ﺑﻚ" في إسطنبول.

في 24 ديسمبر/كانون الأول 2017 وصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العاصمة السودانية الخرطوم في زيارة رسمية شهدت توقيع اتفاقات ومعاهدات بين الجانبين، ووصفت بأنها مكتظة نظرا لتعدد جوانبها السياسية والاقتصادية.

ولكن الرئيس التركي قرر زيارة شيخه وصديقه للاطمئنان على صحته وطلب الدعاء منه.

وقد لاحظ سكان الحي الذي يقطنه حسنين تحركات غير طبيعية وأعلاما تركية كثيرة على أعمدة الإنارة، وصورة كبيرة للرئيسين السوداني والتركي على واجهة المنزل.

وبعدها سرت شائعات بأن أردوغان سيزور بيت صديقه القديم كما فعل في زيارته للسودان عندما كان رئيسا لوزراء بلاده.

وتناول الرئيس أردوغان العشاء في بيت الداعية السوداني رفقة آخرين دعاهم الفاتح حسنين على عجل. ولاحقا جلس الصديقان على انفراد وتحدثا حول آفاق تطوير العلاقات السودانية التركية.

وقد أرسل أردوغان إلى معلمه طائرة إسعاف خاصة في يوليو/تموز 2018 وعلى متنها طاقم طبي على أعلى مستوى، فور أن سمع بتعرضه لوعكة صحية، ونقله للعلاج في تركيا.

وظائف ومسؤوليات

عمل ﻣﺴﺘﺸﺎﺭا للرئيس ﺍﻟﺒﻮﺳﻨﻲ علي عزت بيغوفيتش، وتولى رئاسة ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻷﻣﻨﺎﺀ ﺑﺠﻤﻌﻴﺔ ﺍﻟﻤﻐﺎﺭﺑﺔ بالنمسا، وأسس ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﺸﺮﻕ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ واﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﺑﺈﻗﻠﻴﻢ ﺑﻴﻬﺎﺝ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻮﺳﻨﺔ، وترأس ﻭﻛﺎﻟﺔ ﺇﻏﺎﺛﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ.

المؤلفات

من مؤلفات الفاتح حسنين:

- "جسر على نهر الدرينا".

- "الطريق إلى فوجا".

- "لمعان البروق في سيرة مولانا أحمد زروق".

- "مأساة المسلمين في بلغاريا".

- "موسوعة الأسر المغاربية وأنسابها في السودان".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!