يوسف قابلان - يني شفق
أعود مجددًا للتطرق إلى موضوع بالغ الأهمية: قضية الشباب. فنحن نفقد شبابنا شيئًا فشيئًا. والمجتمعات التي تفقد شبابها مستقبلها مظلم ولا أمل فيه.
إننا نواجه مشكلة مروعة لا تقل خطورة عن الإبادة الجماعية في غزة، نحن نخسر أبناءنا. فأطفالنا في المدارس الثانوية والجامعات ينساقون وراء المتعة والملذات والشهوات. وتساهم الثقافة الشعبية ومنصتها الأكثر انتشارًا، وسائل التواصل الاجتماعي، في تفاقم هذه الإبادة الثقافية.
والسؤال المطروح هنا: كم من أبنائنا في المدارس الثانوية يحمل هم الإسلام وقضيته وأهدافه ورؤيته، وكم من أبنائنا في الجامعات يرى في الغزالي وابن سينا وابن عربي وابن خلدون والجزري والبيروني وسنان والعطري، نماذج يحتذى بها؟
هذه أسئلة مصيرية، والإجابات عليها تثير القلق وخيبة الأمل بشكل مروع.
وكما أكرر دائماً: من يهمل الأجيال الشابة، يدمر مستقبلها. فشبابنا يعانون تحت وطأة نظام السرعة والملذات والشهوات، ويكادون يصبحون ضحايا للمتعة والأنانية والعدمية. كل هذه التيارات تدفع بأطفالنا نحو اللادينية والإلحاد.
موجة الربوبية والإلحاد
ولا دين بلا نبي. فالدين بدون نبي يفقد أصالته وهويته ووجوده ومعناه.
لا دين بدون نبي، فالدين يفقد جوهره وهويته ووجوده ومعناه بغياب النبي. لكن عصرنا يشهد هجوماً شرساً على فكرة النبوة. فالربوبيون يقرون بوجود الله ويؤمنون به، لكنهم ينكرون النبي وفكرة النبوة والإيمان بها. ورغم إيمانهم بالله، إلا أن تصورهم له يبقى تصوراً وثنياً: إله بعيد عن شؤون الخلق، لا يتدخل في حياتهم. فكيف لإله كهذا أن يكون خالقاً؟ بل هو أقرب ما يكون إلى مخلوق أوجدته المخلوقات.
هناك أناس ربوبيون لكنهم يدعون أنهم متدينون. إلا أن الربوبية تقوض أساس الدين والإيمان الحقيقي. فالربوبي رغم ادعائه الإيمان بالله، ليس مؤمنًا حقًا، بل هو يسخر من الإيمان والدين، ويبتكر لنفسه دينًا وإلهًا حسب مزاجه وهواه. إنه أشبه ما يكون بالمهرج، وتشبيهه بالمهرج هو أوضح وصف له.
سبيل الخلاص الدائم.. عقيدة التوحيد وفكرة النبوة
إن أساس الدين هو التوحيد، الذي يؤكد على وحدانية الخالق وتفرد صفاته، ويمنع سيطرة الفوضى على النظام، والتعددية على الوحدة.
إن عقيدة التوحيد تقوم على مفهوم الكل. هذا المفهوم يحمي الإنسان من الانجراف نحو الفوضى التي تهدد كل ذرة وجزء من أجزاء الكون. فهو يضمن لكل جزء وجوده ومعناه وعلاقته بالأجزاء الأخرى والكل، وبالتالي يحافظ على النظام والانسجام في الكون.
فإذا فقد مفهوم الكل، فإن الأجزاء ستقضي على الكل، وتدفع الحياة نحو الفوضى واللا معنى والعدمية.
إن المصدر الوحيد للحفاظ على مفهوم الكل والعلاقة الوثيقة بين الجزء والكل ومعنى الحياة وحرية الإنسان هو فكرة النبوة. فالنبوة هي الضمان الوحيد لكل من الفكرة الكلية المتبلورة في عقيدة التوحيد وحرية الإنسان. فالدين الذي يتجاهل النبوة هو دين معطل، سينتج عنه آراء دينية متعددة ومتضاربة بقدر عدد الأفراد.
إن فكرة التوحيد هي الأساس الذي يقوم عليه الدين، وفكرة النبوة هي العمود الذي يدعمه.
ورغم تردد المسؤولين الدينيين والحكوميين في الاعتراف بذلك، إلا أننا نلاحظ انتشارًا سريعًا للربوبية وحتى الإلحاد، وتزايدًا في عدد الأشخاص الذين يبتعدون عن الدين أو يظهرون عدم اهتمام به.
من أجل الحفاظ على وطننا..
إن إلقاء اللوم على الملحدين واللادينيين خطأ فادح. فإذا كان هناك من يستحق اللوم فهو نحن، نحن الذين ندعي التدين. فالمشكلة الأساسية تكمن في تقصيرنا في تطبيق ديننا، وفي سوء تمثيلنا له. ففشل المتدينين في تمثيل دينهم بالشكل الصحيح، لا سيما في أمور الحياة العملية والمال والنساء، أدى إلى خيبة أمل الناس وخسارتهم ثقتهم بالدين، مما شجع على انتشار الإلحاد والربوبية. ويعد هذا الموضوع من المجالات البحثية الحيوية والملحة التي ينبغي أن تكون محور اهتمام الباحثين في العلوم الاجتماعية في الوقت الراهن.
في الأماكن التي تنتشر فيها اللادينية، تتآكل جميع أسس الدين ويصبح سبب وجودها موضع تساؤل. ومع مرور الوقت، يفقد الدين معناه ويبتعد عن الحياة اليومية ثم يختفي ويزول.
لذلك، أصرخ مجدداً بقلب ثائر كالبركان: إن أي دولة تفقد الإسلام، الذي يُحافظ على استقرارها وحيويتها وعمقها التاريخي وغناها الثقافي، فلن يتمكن أبناء هذه الدولة من حماية أنفسهم واستقلال بلادهم ووجودها.
لقد جعل الإسلام هذه الأرض وطنًا لنا. فإذا فقدنا الإسلام، سنفقد هذه الأرض أيضًا.
هناك نقطة أخرى مهمة: المشكلة التي تبدو وكأنها متعلقة بالإلحاد أو اللادينية هي في الواقع مشكلة متعلقة باللذة والمتعة، فالسعي وراء الشهوات والملذات والأهواء يؤدي إلى تبلد حساسية الناس تجاه القضايا الوجودية الأساسية للبشرية، مما يمثل انتصارًا للعدمية السلبية.
يمكننا فهم هذه المشكلات والتغلب عليها من خلال إيمان قوي بوحدانية الله. فالإيمان بالله الواحد القهار يجعل الإنسان يشعر بمعاناة الآخرين ويدفعه إلى العمل من أجل حل مشاكلهم.
والحفاظ على عقيدة التوحيد يتطلب اعتناق فكرة النبوة بقوة. فالمجتمع الذي يفقد فكرة النبي، لن يتمكن من الوصول إلى فكرة الخالق والإيمان به، الذي يشكل جوهر الحياة وضمان العدالة والإنصاف والرحمة.
إن القدرة على الشروع في رحلة رؤية حضارية طويلة الأمد، قادرة على صياغة مستقبلها وتأسيس عصر جديد دون الوقوع في شراك العالم المعاصر، تعتمد على امتلاك إيمان راسخ بالتوحيد وفكر نبوي قوي. لذا أقول بأعلى صوت: إذا فقدنا الأجيال الشابة، سنفقد بلادنا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس