ترك برس
تناول تقرير تحليلي للإعلامي التركي إحسان أقطاش، تأثير التقدم العلمي والتكنولوجي على القيم الإنسانية والدينية بالمقارنة بين الأوضاع التاريخية المعقدة في العصور الوسطى والعصر الحديث.
واستهل أقطاش تقريره بصحيفة يني شفق التركية بالإشارة إلى رسالة لأحد المفكرين الغربيين عن المسيحية في العصور الوسطى، مفادها أن "الكنائس كانت مضاءة كما الجنة، بينما كانت الشوارع مظلمة وموحشة. ومع ظهور العلم الحديث وتهميش دور الكنيسة، بدأت الشوارع في الإضاءة بينما غمرت الظلمة داخل الكنيسة".
وقال أقطاش إن هذا الأمر كان بداية كارثة البشرية؛ إذ لم يكن الظلام محصورًا في الكنيسة وحدها بل تسرب إلى أعماق الإنسانية ذاتها.
وأوضح أنه على مر التاريخ، سعى الأنبياء والعلماء والصوفية والفلاسفة والأشخاص الأخيار إلى بناء مجتمع بشري يعيش أفراده بسلام ووئام، دون سفك الدماء، متبعين مجموعة من القوانين والمبادئ. فمنذ آدم عليه السلام وحتى ظهور الإسلام كلما فسدت المجتمعات وانهارت القيم والأخلاق والدين والقوانين والعادات، بعث الله تعالى رسلاً ليقوموا بإصلاحها وتنظيمها وإعادتها إلى جادة الصواب.
وتابع المقال:
يكشف تاريخ الأديان، وكما يتضح فقط من قصص الأنبياء المذكورة في القرآن الكريم، أن كل نبي كان يُرسل إلى أمة معينة وأن قصته تروي رحلة تلك الأمة من الضلال إلى الهداية. وتُبرز قصص الأنبياء في القرآن الكريم كيف أن البشر ميّالون إلى الانحراف عن الحق، وكيف أنهم ينزلقون بسهولة نحو الفساد والهلاك.
فالوحي الذي ينزل على الأنبياء ينظم إيمان تلك المجتمعات بالله، ومفاهيمها، وقوانينها. ونرى مثالاً واضحًا على ذلك في الصراع الطويل بين موسى فرعون، والذي ورد ذكره في القرآن الكريم، بالنظر إلى قربه من تاريخنا المعاصر،. ففي العصور القديمة، كان كل فساد يليه ظهور نبي أو رسول يدعو الناس إلى الهداية. أما النبي محمد صلى الله عليه وسلم فكان خاتم الأنبياء، ودينه الإسلام هو الدين الخالد، والقرآن الكريم هو الكتاب السماوي الخالد حتى قيام الساعة.
وبما أنه لن يأتي نبي بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فإن أفضل سبيل لمواجهة فساد وانحلال المجتمعات يكمن في العودة إلى الكتاب والسنة.
و في عصرنا الحديث الذي يتسم بالتطور التكنولوجي والعلمي قد يشعر بعض الأشخاص بالاستياء من اللجوء إلى الدين لحل المشكلات. ففي العصور الوسطى، هُزمت الكنيسة أمام العلم، وحُبست المسيحية في صفحات التاريخ المظلمة. وقد يرى البعض أن البحث عن حلول دينية في عصر الذكاء الاصطناعي أمر غير منطقي.
لقد خلقت الحضارة الغربية وهمًا استمر لثلاثمائة عام، وحققت من خلاله نجاحات كبيرة في ميادين العلم والصناعة والتكنولوجيا. واستغلت العلم والتكنولوجيا التي تمتلكها لاستعمار المجتمعات غير الغربية، وحققت تفوقها المدهش من خلال سحق الإنسان وتحويل كل فرد إلى كائن فاقد للإنسانية. واليوم نعيش في عالم فقد روابطه المقدسة، وبات بعيداً عن الأخلاق الاجتماعية.
ويصف المفكر الغربي العصر الحديث بأنه "ظلام الإنسانية الداخلي"، بينما يُطلق نيازي بركيس عليه "عصر العلمنة"، ويقول: "إن تأثير العصر الحديث على الإنسانية هو العلمنة، ولا تستطيع أي قوة أن تقاوم هذه الرياح.
أما التحدي الثاني الذي نواجهه اليوم، فلا يمثله العلماء أو الجيوش المقاتلة، بل الحياة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي التي تقطع الإنسانية إرباً. إن هذا التحدي الذي يواجهه المسلمون أخطر من جيوش المغول واحتلال الأرض من الجيل الأول.
في كل عصر من عصور التاريخ، كانت المجتمعات تفسد وتضيع، ثم تأتي الإشارات الإلهية لتعيد تشكيلها. ولكن بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أصبح إرشاد البشرية مقتصرًا على القرآن والسنة. وفي هذه الحالة، يجب أن يُعيد الدين إنتاج نفسه ويطور حلولاً تتناسب مع الظروف المتغيرة لمواجهة كل تحدٍ جديد تواجهه الإنسانية. لقد أدت العلمنة التي جلبها العصر الحديث والقيم التي فرضها الغرب إلى تدهور داخلي في الإنسانية، وخلقت عالماً مفصولاً عن القيم الأخلاقية والروابط المقدسة.
إن أكبر تهديد يواجهنا اليوم هو الفراغ الروحي وتدمير وسائل التواصل الاجتماعي للذات الإنسانية. هذه العملية تقوض قيم المجتمع وتؤدي إلى شعور الناس بالعزلة. يتعين على المسلمين، كما فعلوا في الماضي، أن يقاوموا هذا التحدي الجديد. وهذه المقاومة ليست مجرد صراع مادي، بل هي عملية إعادة بناء نفسية وأخلاقية وروحية.
الإسلام اليوم هو نور الهداية الوحيد ليس للمسلمين فحسب بل للبشرية جمعاء. يجب علينا أن نبدأ من جديد في الكفاح ضد فساد المجتمع الإنساني مسترشدين بتوحيد الله وحكمته ووحيه. هذه المعركة ستكون بداية جديدة لعالم يسوده العدل والأخلاق والحقيقة. وفي ظل التحديات التي يفرضها العصر الحديث اليوم، فإن العودة إلى القيم الإسلامية العالمية وسيرة الأنبياء هي السبيل الوحيد لإنقاذ البشرية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!