ترك برس
أكد السياسي والبرلماني التركي السابق ياسين أقطاي، أن إسرائيل تستمر في شن هجماتها الإبادية ضد غزة، وأن أبناء غزة الأبطال يواصلون الصمود، مشيرا إلى أن أخطاء إسرائيل لن تتوقف حتى تصل بها إلى نهايتها المحتومة.
وتساءل أقطاي في مقال بصحيفة يني شفق قائلا: كيف نفسر قيام إسرائيل بتفجير آلاف أجهزة النداء الآلي التي يستخدمها أعضاء حزب الله؟ هل نعتبر هذه العملية عودة مذهلة لأسطورة الموساد التي انهارت تمامًا مع انطلاق عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر؟ أم أنها انهيار مأساوي لأسطورة حزب الله الذي نجح على مدى سنوات عديدة في تقديم نفسه كأكبر مقاومة أو منقذ في المنطقة ضد إسرائيل؟
وقال إنه قبل أن نعتبر هذا الحدث عودة أسطورة أو انهيار أخرى، يجب أن نؤكد في البداية أن إسرائيل قد تخطت عتبة جديدة في هجماتها، حيث أنها في كل مرحلة ترفع مستوى الإجرام، وتدفع الإنسانية إلى مستوى أكثر انحطاطاً، متجاوزة نفسها في كل جريمة ترتكبها.
ما يبدو واضحاً حتى الآن - وفق أقطاي - هو أن ما قامت به إسرائيل في هذه الحادثة ليس مجرد عملية تجسس تقني عبر برامج خاصة بأجهزة النداء القديمة التي تعود إلى التسعينيات. بل على العكس، كانت عملية اختراق ميكانيكي بسيط للغاية، حيث تم التلاعب بسلسلة التوريد لأجهزة النداء التي اشترى منها حزب الله الآلاف من إحدى الشركات، ليتم إدخال كمية من متفجرات داخل الأجهزة في إحدى حلقات التوريد. وقد كان بالإمكان تحقيق هذا الاختراق فقط من خلال استغلال الثقة المتبادلة في التجارة الدولية، وإساءة استخدام هذه الثقة بأسوأ شكل، حيث تمكنت إسرائيل من التسلل كالسارق إلى تلك السلسلة واستغلال ثغرة صغيرة لتنفيذ عمليتها.
وتابع المقال:
قد يُقال إن "كل شيء مباح في الحرب"، وقد يُنظر إلى هذا الاختراق بإعجاب. لكن نتائج هذه العملية، التي أدت إلى مقتل مدنيين، أطباء، وممرضين، فضلاً عن كونها استغلالاً دنيئاً للثقة في العملية التجارية، لا تُظهر عظمة إسرائيل أو دهائها الاستخباراتي، بل تكشف فقط عن دناءتها ووحشيتها. إنها تثبت أن إسرائيل لا يُمكن الوثوق بها، لا في الحرب ولا في السلم، كما أنه لا يمكن الوثوق بأي جهة تتعاون معها.
وتبرز هنا الضرورة الملحّة لمقاطعة الشركات التي تدعم إسرائيل، حيث إن هذه الشركات قد ترتكب أي شر لصالح إسرائيل، وقد تُدخل في منتجاتها مواد بيولوجية أو كيميائية، متفجرات أو أي نوع آخر من السموم. هذه الشركات الداعمة لإسرائيل لا يُمكن الوثوق بها بأي شكل من الأشكال، فهي قد تعرض عملاءها لأي نوع من الأخطار وتلحق بهم الأذى والضرر .
فكما قلنا إن قدرة إسرائيل على ارتكاب هذا القدر من الشر لا تعكس عظمتها أو مهارات استخباراتها الأسطورية. في الواقع لا يتطلب تنفيذ هذه العمليات سوى الخسة والدناءة. وهذه التكنولوجيا والقدرات موجودة في العديد من الدول وليست حكراً على إسرائيل، ولكن الأمر لا يتعلق بالقدرة بقدر ما يتعلق بالجرأة على ارتكاب الشر. فحتى تحويل الهواتف إلى أسلحة عبر البرمجيات أصبح من أبسط تطبيقات علم البرمجيات اليوم. ولكن ليس كل الدول تجرؤ على القيام بذلك، لأن هذه الأفعال تعد جريمة غير إنسانية وأسوأ من الهجمات الكيميائية وأكثر وحشية.
لقد أظهرت هذه الحادثة للجميع مرة أخرى مدى استعداد إسرائيل للقيام بأي شيء، وكشفت عن التهديد الذي تشكله الصهيونية على البشرية. ولكن من الخطأ القول بأن هذه العملية تعكس عودة مدهشة لقدرات الموساد الاستخباراتية بعد أن تم فضح أسطورته في 7 أكتوبر خلال "طوفان الأقصى". فلا تتجلى هذه العودة المزعومة فقط في هذا الحدث، بل أيضاً في اغتيال صالح العاروري، أحد قادة حماس، في منطقة خاضعة لسيطرة حزب الله في لبنان، وعمليات مشابهة استهدفت قادة آخرين من حزب الله، وكذلك اغتيال إسماعيل هنية، قائد حماس، في هجوم دقيق داخل منزل يخضع لسيطرة الحرس الثوري في طهران. كل هذه العمليات توحي بمهارات استخباراتية عالية واختراقات أو مساعدة داخلية، لكنها لا تمحو الصورة المخزية لإسرائيل والعار الذي لحق بها نتيجة الفشل الكبير الذي تعرضت له في 7 أكتوبر.
وفي الوقت الذي تظهر فيه نجاحات الموساد الإسرائيلية في هذه العمليات، يبدو واضحًا أن هذه النجاحات تستفيد بشكل كبير من الثغرات الاستخباراتية والأمنية لدى حزب الله. بالطبع لا يمكن لأحد أن يدعي أن حزب الله الذي يتعرض لضربات متتالية من إسرائيل، يتعاون معها لتلقي هذه الضربات، لكن المفارقة تكمن في أن حزب الله، الذي اشتهر بمهاراته العالية خلال الحرب الأهلية السورية وتحول إلى آلة قتل ماهرة، يبدو الآن عاجزًا تمامًا أمام إسرائيل. ورغم كل الضربات التي يتلقاها من إسرائيل، لم يظهر حزب الله حتى الآن شيئًا من تلك المهارات التي استعرضها في سوريا. فهل يعقل أن يكون بهذه الدرجة من العجز؟ بالطبع لا، إذن ما الذي يحدث؟
وبغض النظر عن التناقضات الكبيرة في ردود الفعل التي يقدمها حزب الله، هناك وضع أحدثته تحالفاته مع إيران والحوثيين، ووقوفهم جميعاً في وجه إسرائيل. ومنذ 7 أكتوبر، تدور المواجهة بين حماس وإسرائيل، وهي مواجهة تؤثر في الرأي العام العالمي لصالح فلسطين وحماس، وتخلق موجة واسعة من المشاعر والآراء المناهضة لإسرائيل في جميع أنحاء العالم.
في هذه المواجهة، نجحت القضية الفلسطينية في اكتساب زخم لم تحظَ به منذ عام 1948. فالقضية التي كادت أن تُهمَل وتُنسى حتى من قِبَل أصدقائها، عادت لتتصدر المشهد كأهم قضية عالمية. وفوق ذلك سُلطت الأضواء على إسرائيل وداعميها السياسيين والإعلاميين والإيديولوجيين، مما كشف عن زيفهم. هذا هو الحال أثناء المواجهة بين حماس وإسرائيل.
ولكن على الجانب الآخر، تبدو إيران وحزب الله والحوثيون كأنهم يعيدون لإسرائيل مصدر قوتها وشرعيتها التي كانت بحاجة إليها، إذ باتت إسرائيل وكأنها تستمد وجودها من مواجهتهم. وقد لا يكون هؤلاء الأطراف هم من يفعل ذلك بشكل مباشر، بل إسرائيل هي من تجعلهم في دائرة الاستهداف، وتحافظ على إبقائهم في الواجهة. فكلما اشتد الخناق على إسرائيل في غزة، تهرع إلى هذه الجبهة، لأنها ترى في ذلك فرصة أسهل لتحقيق الانتصارات، سواء من الناحية العسكرية أو الاستخباراتية، أو من حيث إعادة صياغة المشهد بما يخدم مصالحها.
وفي غضون ذلك، تستمر إسرائيل في شن هجماتها الإبادية ضد غزة، حيث تقتل عشرات، بل مئات الأطفال والمدنيين والنساء بأيشع الطرق وأكثرها وحشية يوميًا. وفي مواجهة هذه القوة الإجرامية، يستمر أبناء غزة الأبطال في الصمود، مما يدفع إسرائيل إلى الجنون ويزيدها عدوانية. هذا التصعيد يدفع إسرائيل إلى مزيد من الأخطاء، إلى تجد نفسها في دوامة من الأخطاء التي لن تتوقف حتى تصل بها إلى نهايتها المحتومة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!