ترك برس
أكد السياسي والبرلماني التركي السابق ياسين أقطاي، أن إسرائيل ليست دولة وإنما هي أداة إرهاب وتهديد وترويع، ولا شيء مما تفعله يمكن أن تفعله أي دولة أخرى.
وأوضح أقطاي في مقال بصحيفة يني شفق أن إسرائيل تسوق اليهود الذين تجمعهم من كل أنحاء العالم وتحولهم إلى إرهابيين ومُحتلّين ومرتكبي إبادة جماعية.
ورأى أن الدافع وراء عدوان إسرائيل ليس الأمن القومي، ومن غير الممكن تفسير عدوانية إسرائيل من خلال الأطر التقليدية لسلوك الدول في العلاقات الدولية.
وفيما يلي نص المقال:
يتساءل الجميع اليوم إلى أي مدى ستصل العدوانية المتزايدة التي يمارسها الكيان الإسرائيلي المجرم بحق لبنان، تحت ذريعة تهديدات حزب الله، ومن الذي يمكنه إيقاف هذه الجرائم المتصاعدة. لقد وصف زميلنا "محمد شكر" إسرائيل بأنها أشبه بـ"كلب بيتبول بلا طوق"، ولكن ليت الأمر يقتصر على ذلك. فإسرائيل ليست بلا طوق، بل هي مربوطة بطوق تتحكم به الولايات المتحدة التي أرخت قبضتها وفقًا لمصالحها. وبعبارة أخرى إسرائيل ليست من دون طوق بل الأيدي التي تمسك به هي التي أرخته ولم تحكم قيده. والآن يتذرعون بحزب الله لتوسيع نطاق الإبادة الجماعية إلى لبنان، ولكن قبل الخوض في هذا الأمر، لا بد من التوقف عند بعض الملاحظات التي تجول في خاطرنا.
كان السبب الرئيسي وراء عدم رد حزب الله وإيران – القوة الداعمة له – على النحو المتوقع حتى الآن، يعزى إلى عدم رغبة حزب الله في تكبد المزيد من الخسائر. فرغم حدة الخطاب العدائي القوي الذي يتبناه حزب الله تجاه إسرائيل، إلا أنه كان يتجنب تحويل هذا الخطاب إلى صدام عسكري مباشر. فحزب الله لا يمثل كامل لبنان، وخوضه حربًا من تلقاء نفسه سيكلف لبنان بأسره ثمنًا باهظًا. وكان يمكن النظر إلى تحفظ حزب الله في هذا السياق على أنه مسؤولية تُراعى لصالح لبنان. ولكن يبدو أنه بعد مرحلة معينة، تحوّلت هذه المسؤولية إلى نوع من السلبية المفرطة. فإسرائيل تواصل هجماتها وتقتل بلا هوادة، وقد تمكنت من استهداف معظم القادة الكبار لحزب الله، بمن فيهم الشخصيات المقربة من حسن نصر الله، ولكن يصر حزب الله على عدم الرد المناسب وكأنه يخشى خسارة المزيد. إنه يتصرف كما لو كان لديه المزيد ليخسره، ويظهر صبرًا أشبه بذلك الذي يدير خده الآخر بعد أن يُضرب على الأول. وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: ما الذي تبقى لدى حزب الله ليخسره بعد كل هذا؟
لم يعد تجنب تعرض لبنان لهجمات إسرائيل الشاملة بسبب الحرب التي قد يدخلها حزب الله أمرًا يمكن الحفاظ عليه في هذه المرحلة. فحتى مع عدم تقديم حزب الله ردًا يتناسب مع قوته المعلنة والمقدرة، استمرت إسرائيل في هجماتها غير المتناسبة إلى أقصى حد، ورفعت مستوى عدوانها إلى مرحلة أكثر تطرفًا.
وبينما يترقب العالم رد حزب الله على إسرائيل، تواصل آلة الإبادة الإسرائيلية زحفها نحو لبنان، وقد بدأ الحديث بالفعل عن إمكانية توسيع نطاق هذا العدوان ليشمل سوريا أيضًا. وعندما يصل إلى سوريا، كيف سيكون رد روسيا وإيران، اللتين تربطهما اتفاقيات تعاون دفاعي وثيقة مع النظام السوري؟ في الواقع، في ظل التوترات المتزايدة في أوكرانيا، قد تشكل جبهات لبنان وسوريا فرصة جديدة لأوروبا وأمريكا لفتح مسارات جديدة للصراع، ويبدو أن مسار الأحداث يشير إلى أن هذا السيناريو ليس مستبعدًا.
لقد بات واضحاً للجميع أن الدافع وراء عدوان إسرائيل ليس الأمن القومي. ومن غير الممكن تفسير عدوانية إسرائيل من خلال الأطر التقليدية لسلوك الدول في العلاقات الدولية. فإسرائيل قد تجاوزت بكثير الأدوار المتوقعة من أي دولة في إطار هذه العلاقات.
إسرائيل ليست دولة بل هي أداة إرهاب وتهديد وترويع. لا شيء مما تفعله يمكن أن تفعله أي دولة أخرى. حيث تسوق اليهود الذين تجمعهم من كل أنحاء العالم وتحولهم إلى إرهابيين ومُحتلّين ومرتكبي إبادة جماعية، وتقودهم إلى مغامرة غير أخلاقية وغير عقلانية ، حيث يتحولون في النهاية إلى ضحايا. أي أنها لا تلحق الضرر بالآخرين فقط بل هي أسوأ ما تعرض له اليهود في تاريخهم.
وبهذا الشكل تُعتبر إسرائيل استثناءً لكل قوانين وقواعد وأعراف العلاقات الدولية. وهذا الاستثناء لا يرجع فقط إلى عدم خضوعها لأي قاعدة، وعدم اعترافها بأي قانون، بل يرجع أيضًا إلى استغلالها للقوة التي تدعم هذا التمرد على القوانين بطريقة وقحة ودون أي مساءلة أو محاسبة.
في الواقع إن القدرة على التصرف بشكل استثنائي تعد دليلا على الهيمنة من منظور القوة. فمن يفرض هيمنته يستطيع أن يخلق الاستثناء. ولكن لا يمكن لأي قوة أن تحافظ على هيمنتها من خلال التصرف بشكل استثنائي دائمًا. إن الولايات المتحدة التي تمنح إسرائيل هذه المساحة الاستثنائية بلا حدود، والنظام العالمي القائم، يقتربان بسرعة من حدود نهايتهما.
إن امتداد العدوان إلى لبنان يثبت أنه لن يتوقف عند هذا الحد، وأن وجهته النهائية هي تحويل هذا الاستثناء إلى تهديد يواجه البشرية جمعاء. إسرائيل تشكل تهديداً على البشرية جمعاء. ففي عالم يُمنح فيه تفسير ديني متطرف وصهيوني هذا القدر من الحرية والتوسع، لا يمكن لأحد أن يكون في مأمن من هذا التعصب.
إن العالم الذي بنى نظامه كله على حماية هذا التعصب قد فقد كل مصداقية فيما يتعلق بمزاعمه حول التنوير والديمقراطية والعلمانية وحقوق الإنسان والعقلانية.
لقد ضحى هذا النظام العالمي بكل هذه القيم الثمينة التي صيغت بعناية خلال قرنين من الزمن ليقوم باستثناء لأجل إسرائيل. وهذا يعني أننا نشهد مأساة إنسانية تتمثل في تحول العالم من العقلانية إلى الحماقة ومن المعرفة إلى الجهل، ومن الديمقراطية إلى الفاشية والاستبداد، ومن الإنسانية المشرفة إلى الذل والانحطاط، وذلك كله بسبب استثناء إسرائيل.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!