ترك برس
دعا الكاتب والإعلامي التركي سليمان سيفي أوغون، العالم الإسلامي إلى الاستعداد لمواجهة قد تكون على هيئة حملة صليبية جديدة على خلفية فوز دونالد ترامب، بالرئاسة الأمريكية.
وقال أوغون في تقرير بصحيفة يني شفق: "علينا أن نستعد لمواجهة قد تكون على هيئة حملة صليبية جديدة؛ حيث قد يقود التحالف الذي يضم الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وأوراسيا، والهند حملة معادية للإسلام تتمحور حول إسرائيل، وهناك عدة مؤشرات تدعم هذا الاحتمال".
وأشار إلى أن ترامب فاز بفارق كبير على منافسته كامالا هاريس، مما يشكل مؤشرًا مريحًا إلى حد كبير للولايات المتحدة والعالم.
وفيما يلي نص التقرير:
كانت هناك مخاوف قبل الانتخابات من أن خسارة ترامب بفارق ضئيل قد تدفع أنصاره المسلحين إلى التمرد، مما قد يجرّ الولايات المتحدة إلى حافة حرب أهلية. ولكن الآن، لم يعد هناك ما يشير إلى فترة ضبابية قد تثير الجدل وعدم الاستقرار.
وعلاوة على ذلك، حقق ترامب فوزًا شاملاً، حيث لم يكتفِ بالانتخابات الرئاسية فحسب، بل فاز حزبه أيضًا بأغلبية في مجلس النواب ومجلس الشيوخ، منهياً بذلك التفوق الديمقراطي الذي استمر طويلاً في مجلس الشيوخ.
أمام ترامب ما يزيد عن شهرين حتى شهر يناير، موعد استلامه الرسمي لمهامه من مكتبه في البيت الأبيض. وخلال هذه الفترة، ستعمل الدول على إعادة ترتيب أوضاعها الداخلية وتجهيز نفسها للتعامل مع العهد الجديد تحت إدارة ترامب.
من الواضح أن فوز ترامب يؤثر بشكل كبير على أوروبا الحالية. ففي عهد بايدن، تلقت بقايا الأحزاب اليمينية واليسارية المركزية دعمًا من الولايات المتحدة، وشكلت تحالفات هشة مع الليبراليين، و"اليسار الصحوي" (Woke)، وحزب الخضر. لكن يبدو أن هذه التحالفات لن يكون لها دور مؤثر في مستقبل القارة.
أعتقد، بدلاً من ذلك، أن الأحزاب التي تشكل تنويعات الشعبوية اليمينية في أوروبا، والتي حققت تقدمًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة، ستصعد إلى السلطة. ولا يعتبر من قبيل المبالغة القول إن هذا التطور سيؤدي إلى تحول جذري في المبادئ التأسيسية للاتحاد الأوروبي. بل يمكن اعتبار ذلك عودة إلى "القيم الأصلية" لأوروبا بصورة أكثر دقة.
ورغم أن الخطاب حول "أوروبا الديمقراطية" المنفتحة والشاملة ما زال مستمرًا، إلا أن هذا النموذج قد انتهى فعليًا منذ وقت طويل على المستوى العملي. ولا يكمن السبب، كما يُعتقد، في موجات الهجرة غير النظامية التي يصعب التحكم بها، بل في عوامل أخرى.
فاندماج الألمانيتين والتوسع شرقًا ليشمل دول أوروبا الشرقية والبلقان كشف عن تباينات صارخة وصعوبات في التوافق، وأظهر بوضوح التفرقة بين الغرب والشرق في العقلية السائدة داخل الاتحاد الأوروبي.
كان لهذا الواقع أثر كبير في صعود موجة اليمين المتطرف في السياسات الأوروبية، بينما ساهمت قضايا الهجرة غير النظامية المرتبطة بمشاكل اقتصادية تتعلق بالعمالة في تعميق هذا المسار.
النخب السياسية الحالية، التي تدعي التزامها بمبادئ الاتحاد الأوروبي المؤسسة، لم تتمكن من تقديم حلول للتدهور الاقتصادي أو لمعالجة ضغوط الهجرة غير النظامية.
يركز خطابهم على أنهم الملاذ الوحيد في مواجهة تصاعد الفاشية، ويؤكدون تمسكهم بالنظام المؤسسي للاتحاد الأوروبي. ولكن الواقع يظهر أن مثل هذا النظام المؤسسي لم يعد قائمًا بالفعل. وهذه الفجوة نفسها تتجلى في خطاب الديمقراطيين في الولايات المتحدة، حيث طرحوا أنفسهم كمؤيدين للنظام الأمريكي في مواجهة ترامب، الذي وصفوه بأنه مغامر خارج عن الأعراف.
غير أن الحديث عن نظام مؤسسي في الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة لم يعد ممكنًا. ويمكن تشبيه وضع النخب الحاكمة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بوضع نخب جمهورية فايمار في ألمانيا، وهذا التشبيه ليس فيه مبالغة. يبدو أن "روح" فريدريش إيبرت، وفيليب شايدمان، وهرمان مولر لا تزال تحوم فوق "أوروبا الديمقراطية" اليوم.
كان انهيار جمهورية فايمار نتاج تحالف بين الاحتفالات الصاخبة، واللامسؤولية، وانعدام الكفاءة.
وصل هتلر والنازيون إلى السلطة بينما كانت دوائر فايمار تتغنى بالديمقراطية الشكلية. فالديمقراطية السطحية تنمو حيث تصبح الديمقراطية بلا مضمون حقيقي، والتطرف الفاشي يجد غذاءه في هذا المناخ. كانت دوائر فايمار أشبه بجزر معزولة عن واقع الشارع الألماني، الذي كان ينضح بروح مختلفة تمامًا.
اليوم، يمر مؤيدو النظام المؤسسي في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بمرحلة نشوة قصوى، لكن انهيارهم سيأتي متزامنًا مع هذه النشوة. وأصبح من الواضح أن العجز في عهد بايدن هو العامل الرئيسي وراء انتصار ترامب. أنا الآن أكثر يقينًا بأن فوز ترامب سيتبعه انتصارات لليمين الأوروبي.
جاء بايدن مع وعد بإحياء الوحدة الأطلسية، مشيرًا إلى شراكة "الحرية" بين النظامين المؤسسيين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويبدو أن تحليل لافروف للجوانب الجيوسياسية في الحرب الروسية الأوكرانية كان في محله؛ فالغرب الديمقراطي الليبرالي (الناتو) يخوض حربًا صليبية عبر أوكرانيا ضد الشرق الاستبدادي وغير الليبرالي (روسيا).
تشبه هذه الحرب الصليبية إلى حد كبير الصراع الذي اندلع عام 1204 بين الكنائس الغربية والشرقية، ضمن العالم المسيحي ذاته، حيث كانت روسيا الأرثوذكسية في قلب المشهد. لكن، على عكس عام 1204، خسر الغرب هذه الحرب الصليبية. بل إنها أسفرت عن تحالف استراتيجي شبه كامل بين روسيا والصين، التي تعد العدو الأساسي للغرب.
من المهم التنبه إلى القواسم المشتركة بين التيار الشعبوي اليميني في أوروبا والجمهوريين في الولايات المتحدة. وأبرز ما يلفت الانتباه هو أولوية كلا الطرفين لإعادة بناء العلاقات التي قطعها الديمقراطيون بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة، وأوراسيا (روسيا) من جهة أخرى. النقطة الثانية تتعلق بتأييدهما غير المشروط للصهيونية. في الواقع، ليس من الصعب الاعتقاد بأن توقيت اندلاع النزاعات بين إسرائيل وفلسطين، وإسرائيل ولبنان، وإسرائيل وإيران مرتبط بمخطط لتحالف مضاد لفايمار، يهدف إلى إقامة محور يجمع الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وأوراسيا.
وليس من المبالغة القول إن أكثر من فرحوا بانتصار ترامب هم أوربان، وبوتين، ونتنياهو، بينما يمكن تخيل الإحباط الذي يشعر به قادة الأحزاب والنخب التقليدية في الاتحاد الأوروبي. لكنني أعتقد أن الحزب الشيوعي الصيني، ومعه شي جين بينغ، هما الأكثر قلقاً.
أما العنصر الأساس في هذا التحالف المحتمل بين الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وأوراسيا، فهو الهند. وإذا استمر هذا المسار، فليس من باب التوقعات الخيالية أن نقول إن الصين قد تجد نفسها معزولة تدريجياً، فيما تبدأ روسيا بالتدريج بالابتعاد عنها والعودة للارتباط بالغرب عبر الهند. قد تشهد مجموعة "بريكس" ومنظمة "شنغهاي للتعاون" انقسامات عميقة.
علينا أن نستعد لمواجهة قد تكون على هيئة حملة صليبية جديدة؛ حيث قد يقود التحالف الذي يضم الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وأوراسيا، والهند حملة معادية للإسلام تتمحور حول إسرائيل، وهناك عدة مؤشرات تدعم هذا الاحتمال.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!