ترك برس

رأى الكاتب والمحلل السياسي التركي سلجوق تورك يلماز، أن أحداث الشغب التي شهدتها شوارع العاصمة الهولندية أمستردام، أظهرت بشكل واضح مدى خطورة التقارب بين الصهاينة والأنجلوسكسونيين.

وقال تورك يلماز في مقال بصحيفة يني شفق: "لا داعي لتفصيل الأحداث التي وقعت في مدينة أمستردام الهولندية، حيث أصبحت معروفة للجميع من خلال وسائل الإعلام. فقد تبنى مشجعو الفريق الصهيوني "مكابي تل أبيب" الذين قدموا إلى أمستردام لحضور مباراة أياكس، موقفًا عدوانيًا تجاه الفلسطينيين قبل المباراة، وحتى أنهم أبدوا عدم احترام لضحايا الفيضانات في إسبانيا أثناء الوقوف دقيقة صمت حداداً على أرواحهم. وسرعان ما تجمّع الفلسطينيون للرد على هذه الاستفزازات، ونزلوا إلى الشوارع للوقوف بوجه الصهاينة.

وقد أشار الكثيرون إلى أن الاشتباكات التي حدثت في أمستردام كانت نتيجة رغبة المشجعين الصهاينة في تصعيد الأحداث إلى مستوى آخر. ويعتقد البعض أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت وراء هذه الأحداث. وإذا صحّ ذلك، فليس من المستبعد أن يكون للاستخبارات الأمريكية والبريطانية أيضاً يد في هذا. وفقا للكاتب.

وأوضح أن الأحداث التي شهدتها شوارع أمستردام اندلعت بسبب مباراة كرة قدم مهمة، لكن ردود الفعل الفورية من القادة الأوروبيين لم تكن أقل أهمية منها. فقد دخل هؤلاء القادة في سباق للإدلاء بتصريحاتهم مُشبهين ما حدث بـ "البوغروم" التي تعرض لها اليهود قبل الحرب العالمية الثانية.

وقد بدا واضحًا أن مصطلح "البوغروم" (ويعني المذبحة) قد تم اختياره عمدًا لوصف الأحداث في هولندا. مع أن الصهاينة بعد الحرب العالمية الثانية ركزوا بشكل خاص على "الهولوكوست"، وبنوا سردية حق الدفاع عن النفس لليهود على أساس العدوان الألماني، وبذلك حافظوا على صورة الضحية، مما ساهم في إخفاء طبيعة إسرائيل كمستعمرة أنجلوسكسونية. ولولا الأحداث التي وقعت في 7 أكتوبر، لربما تلاشى الاهتمام بالقضية الفلسطينية تدريجيًا.

وتابع المقال:

لم يتم التشكيك في المكاسب الجيوسياسية التي حققتها بريطانيا والولايات المتحدة في شرق المتوسط. ولكن عندما قرر الفلسطينيون الصمود وعدم التخلي عن أرضهم مهما كانت العواقب، انكشف زيف هذه الرواية. وبالطبع، تغيرت الظروف هذه المرة بشكل كبير؛ فكلما رفض الفلسطينيون النزوح عن أرضهم، تصاعدت وحشية الإبادة الجماعية إلى مستويات هزَّت ضمير الإنسانية جمعاء. ولم يكن للمقاومة الفلسطينية أي علاقة بالبوغروم أو الهولوكوست. فالأنجلوسكسونيون والصهاينة كانوا ينتهجون سياسة استعمارية توسعية في شرق المتوسط، ويقضون على كل من يقف في طريقهم. وكان من المهم إدراك هذا الأمر. ففي النهاية، فقدت الدعاية الصهيونية تأثيرها خلال العام الماضي، وأصبح العالم ينظر إلى القضية الفلسطينية من زاوية مختلفة.

لقد كان معروفًا مسبقًا أن القادة الأوروبيين الحاليين قد فقدوا مصداقيتهم. فقد أثبتوا أنهم يتصرفون وفقًا لتوجيهات بريطانيا والولايات المتحدة في حرب أوكرانيا، مما يدل على أنهم لا يراعون سوى مصالح الأنجلوساكسونيين. وخاصة الفرنسيين والألمان والهولنديين والإيطاليين، فقد تنافسوا في ذلك. وهذه المرة تحركوا وفقًا للسياسة البريطانية والأمريكية تحت تأثير الصهاينة، واستخدموا مصطلح "البوغروم". والبوغروم هو مصطلح يعني "المذبحة المدبرة" وهي أعمال عنف واسعة تتشكل بأشكال الشغب الموجه ضد جماعة معينة، سواء كانت عرقيه أو دينية أو غيرها. وقد استخدم هذا المصطلح في الماضي لوصف الهجمات الجماعية على اليهود في بعض الدول الأوروبية. وهذا يظهر أن المحرقة قد تم تهميشها. وبعد السابع من أكتوبر، قدم القادة الأوروبيون دعمًا لعمليات الإبادة التي ارتكبها الصهاينة ضد الفلسطينيين. ومن الواضح أن هذا الدعم سيستمر بأي شكل من الأشكال. ورغم عدم احترام الصهاينة لضحايا الفيضانات في إسبانيا، إلا أن القادة الأوروبيين الحاليين فضلوا وصف الأحداث بـ "البوغروم".

إن الصهيونية بوصفها أيديولوجية استعمارية، هي من نتاج القوى الأنجلوسكسونية. فقد انتشرت هذه الإيديولوجيا بسرعة بين المسيحيين في إنجلترا والولايات المتحدة عبر طوائف معينة، وبين اليهود بعدما فتحت بريطانيا الطريق لإنشاء إسرائيل تحت نظام الانتداب عقب الحرب العالمية الأولى. وأحد أهم نتائج ذلك كان النظر إلى التوسع الاستعماري في فلسطين باعتباره قضية جيوسياسية. ولوقت طويل، رأى المسلمون أيضاً القضية الفلسطينية من هذا المنظور الجيوسياسي. والمثير للاهتمام أن نفوذ بريطانيا والولايات المتحدة في شرق المتوسط كان يتسع ويترسخ، بينما كانت الجماهير منشغلة بالنقاشات الدينية. كما أن الترويج لمقولة "الفلسطينيون باعوا أراضيهم" كان جزءاً من القوة الدعائية للاستعمار التوسعي. حيث افترض المستعمرون أن الفلسطينيين لن يتمكنوا من مقاومة هذا الهجوم المتعدد الأبعاد، مما جعل المقاومة تبدو شبه مستحيلة. وبالتالي، تم تأطير نضال الفلسطينيين ضمن السياق "الجيوسياسي"، غير أن الفلسطينيين وقفوا في وجه التوسع الأنجلوساكسوني وحولوا القضية إلى مسألة تنتقل من جيل إلى آخر. ومن الواضح أن القضية الفلسطينية ستزداد قوة في مواجهة الصهيونية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!