ترك برس
أكد الكاتب والمحلل السياسي التركي سلجوق تورك يلماز، أنه بعد السابع من أكتوبر، أصبحت اعتداءات إسرائيل التي تندرج ضمن جرائم الحرب والإبادة الجماعية، أكثر وضوحًا وفظاعة مما سبق، وأن أي محاولة لتوصيف أو تعريف ما نشهده في غزة تبدو قاصرة أمام حجم الفظائع المرتكبة هناك.
وقال تورك يلماز في مقال بصحيفة يني شفق إنه من الصعب حقًا استخدام أي مفهوم أو مصطلح لاحتواء طبيعة الوحشية التي تجري في غزة، ولكن "علينا أن نتجاوز مشاعر الفزع الناجمة عن هذه الأحداث وأن نقوم بإعادة تحليل الظاهرة الإسرائيلية بشكل أعمق".
وأضاف أن هناك رواية قد ترسخت عالميًا حول تاريخ اليهود، إذ يُقال إنهم تعرضوا للاضطهاد والمذابح في ألمانيا وروسيا (الهولوكوست والبوغرومات)، ما دفعهم إلى الهجرة إلى أماكن أخرى. من جهة أخرى، هناك رواية أخرى تفيد بأن اليهود الأثرياء تمكنوا من السيطرة على العالم، خصوصًا في الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى. هاتان الروايتان أسستا لنموذجين مختلفين من اليهودية، حيث يعكس كل منهما ظروفًا وتصورات متباينة، غير أن هذين النموذجين التقيا في فلسطين.
وأشار تورك يلماز إلى أن التقاء هاتين الروايتين في فلسطين، التي كانت مهدًا لتداخل السرديات المتباينة، يكشف عن بساطة شديدة في تركيب الرواية الصهيونية، لكنها، رغم بساطتها، تتمتع بمصداقية واسعة. ورغم ذلك، أضاف الكاتب، فإن التناقضات بين الأحداث والشخصيات والمكان كانت سطحية للغاية بحيث يمكن ملاحظتها بسهولة.
في تحليله، لفت الكاتب إلى أن هناك أخطاء مفاهيمية وقعت في تفسير تلك الروايات، مشيرًا إلى أن تيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، كان قد تصور إسرائيل في البداية كمستعمرة ألمانية، وكان من المفترض أن تكون اللغة الألمانية هي لغة التواصل في المستعمرة. ومع ذلك، فإن ظهور مفهوم "الهولوكوست" جعَل تصور هرتزل لهذه المستعمرة أمرًا غير منطقي. وأكد يلماز أن الدراسات الحديثة أظهرت أن المشروع الصهيوني كان في جوهره تطبيقًا للنظام الاستعماري الألماني على الأراضي الفلسطينية، لكن تم تجاهل مفهوم "الاستعمار" والمستعمرة بشكل عام.
وأضاف أنه مع انتشار مفهوم "الاستعمار الاستيطاني"، تم استبدال مصطلح "الاستعمار" بمفهوم "الاستيطان"، مما جعل من الصعب فهم هذه الظاهرة بشكل دقيق. وأشار إلى أن إسرائيل تمثل واحدة من أبرز الأمثلة على الاستعمار الاستيطاني، وأكد أن محاولة تفسير القضية الإسرائيلية في إطار اليهودية فقط هو تفسير مضلل. فقد كان من الصعب في كل من بريطانيا والولايات المتحدة العثور على حالات مشابهة للهولوكوست أو المجازر (البوغرومات)، بينما كانت فكرة إنشاء مستعمرة جديدة في فلسطين قد انطلقت من هذين البلدين.
وتابع قائلاً إن الاستيطان الاستعماري في فلسطين كان في جوهره نتاجًا للتاريخ الاستعماري للأنجلوسكسونيين، مشيرًا إلى أن "العقول العميقة" في بريطانيا والولايات المتحدة قد خططت لهذا المشروع، ولا يمكن تصور أن هذه الدول سلمت مقاليدها لليهود الأغنياء. وأكد يلماز أن سلسلة الأخطاء المفاهيمية هذه قد أدت إلى إرباك الفهم الصحيح للجرائم الإسرائيلية.
وفي سياق متصل، أشار الكاتب التركي إلى أن الجرائم الإسرائيلية في فلسطين كانت يمكن إدراكها بسهولة على أنها "جرائم استعمارية"، خاصة بالنظر إلى دعم المسيحيين الإنجيليين لإسرائيل فقط لمجرد أنها "يهودية"، وهو موضوع بالغ الأهمية في هذا السياق.
وفيما يتعلق بالصراع في سوريا، تحدث تورك يلماز عن احتلال إسرائيل لمرتفعات الجولان، مشيرًا إلى أن الاحتلال لا يمكن فهمه إلا من خلال نموذج "الغرب المتوحش". ولفت إلى أن إسرائيل استفادت من الأوضاع السياسية الهشة في سوريا، واستغلت ضعف الإدارة السورية للسيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية.
ودعا سلجوق تورك يلماز إلى إعادة تقييم السياسات الإسرائيلية بشكل أعمق بعيدًا عن الروايات المضللة التي تم ترويجها حول اليهودية وتاريخها، مشددًا على أهمية أن نتجاوز المفاهيم السطحية ونفهم الأبعاد الحقيقية للظاهرة الإسرائيلية كجزء من المشروع الاستعماري الغربي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!