ترك برس
أكد الخبير والمحلل السياسي التركي سلجوق تورك يلماز، أن فشل الصهيونية يعني فشل العصر الاستعماري الجديد.
وقال تورك يلماز في مقال بصحيفة يني شفق إنه في بداية التسعينيات، كانت الدراسات حول فشل الإسلام السياسي في الجامعات الغربية تشير إلى اتجاه جديد في الأدب الاستشراقي. وفي الوقت الذي كانت تُنشر فيه هذه الكتب والمقالات تباعًا، قامت الولايات المتحدة بغزو العراق، موضحا أن هذا العدوان دل على بداية حقبة جديدة في العلاقة مع العالم الإسلامي.
وأضاف: أبدى المثقفون والأكاديميون حماسًا كبيرًا لمرافقة الجنود في هذه الحملة. كنا نشهد بداية عصر استعماري جديد، حيث كان الهدف هو الاستيلاء على خط يمتد من خليج العقبة وصولًا إلى الشمال عبر ساحل شرق البحر المتوسط. وكان المراد ربط هذا الخط بـ"ممر إرهابي" كان من المقرر إنشاؤه في شمال سوريا والعراق، ليصل بعد ذلك إلى الخليج العربي. لم تكن هذه الخريطة واضحة المعالم في ذلك الوقت. وفي تلك السنوات نفسها، تزامن احتلال الأرمن لـ"قره باغ" مع هذا التصور الجديد للخريطة. ولم يكن هذا سوى جزء من سياسة استعمارية جديدة".
وتابع المقال:
أودّ التركيز بشكل خاص على الدراسات الاستشراقية. فالأدب الاستشراقي هو نتاج السياسات الغربية تجاه الشرق. وعندما نربط الصهيونية بحقبة هتلر لا نستطيع تفسير التوسع الاستعماري الإسرائيلي في فلسطين. فكما نعلم، حاربت بريطانيا والولايات المتحدة هتلر معًا. والصّهيونيّة، بوصفها أيديولوجية استعمارية، نشأت في بريطانيا. وفي المراحل الأولى من ظهورها، لم يبدِ يهود أوروبا الغربية حماسًا وولاءً كبيرًا تجاه هذه الأيديولوجيا الجديدة. ولكن عندما ربطت بريطانيا الصهيونية بكيان دولة في عام 1917، حققت تقدمًا كبيرًا في هذا الصدد. وكان الاهتمام الذي أبداه المثقفون اليهود تجاه هذه الإيديولوجية الجديدة نتاجًا للسياسات البريطانية. وحتى المثقفون مثل حنة آرنت، التي تُرجمت أعمالها وقُرئت في سياقات مختلفة في تركيا، تبنوا هذه الأيديولوجيا الاستعمارية الجديدة. وعندما يُختزل دور بريطانيا والولايات المتحدة تجاه إسرائيل إلى مجرد دعم، يصعب فهم حقيقة الصهيونية.
رغم أن الصهيونية قد حظيت بمساحة كبيرة للانتشار منذ بداية التسعينيات، إلا أن كسر خطوط المقاومة في العالم الإسلامي يقدم لنا رؤى قيمة حول عدوانية الاستعمار الجديد واستراتيجياته التوسعية. لطالما قدم الصهاينة أنفسهم كحامل لواء الحضارة الأنجلوسكسونية، ومن هنا انبثقت فكرة نشر الديمقراطية. وفي نفس الفترة، شهدنا تغلغل المؤسسات الأهلية البريطانية والأمريكية في أعماق المجتمعات، وهو حدث بالغ الأهمية، إلا أن الانتماءات العرقية والمذهبية حالت دون إدراكنا لسمات هذه الحقبة الجديدة. كما كانت قدرة الجماعات المحافظة مثل تنظيم "غولن" الإرهابي على استغلال هذه التحولات إحدى السمات البارزة للعصر الجديد. وبعد ذلك، سقطت خطوط المقاومة الأيديولوجية الواحدة تلو الأخرى، ودخلنا مرحلة الاعتماد على الغرب، سواء أوروبا أو الولايات المتحدة. ومع تعميق النفوذ الأنجلوسكسوني، تراجعت قوى الإسلام السياسي. ومن المثير للاهتمام أن انهيار خطوط الدفاع الأيديولوجية قد تزامن مع فتح المجال للأيديولوجيات والاستعمار الجديد. وفي الوقت الذي انتشرت فيه الكتب التي تتحدث عن إفلاس الإسلام السياسي، ارتبطت الأيديولوجيات الدفاعية بالإرهاب في إطار الدعاية الاستشراقية، مما يدل على قوة هذا النوع من الدعاية.
وفي الوقت الذي رُبط فيه الإسلام السياسي بالإرهاب، لم يُسلط الضوء على عدوانية الصهاينة التي لا تختلف عن جيوش الحملات الصليبية. لقد حذر مفكرون كـ "جان جينيه" العالم من عدوانية إسرائيل، ولكن قلة هم من استمعوا إليهم. وكانت جميع التطورات مرتبطة بنجاح الإيديولوجية الصهيونية. وفي بداية التسعينيات، زاد الاعتقاد بهذا النجاح مع تزايد العلاقات المباشرة بين تنظيم "غولن" الإرهابي وإسرائيل. ومن اللافت للنظر أن هذا التنظيم عارض بشدة جميع الأيديولوجيات الدفاعية التي نشأت في العالم الإسلامي. فقد اعتقدوا أن سقوط هذه الخطوط الأيديولوجية سيؤدي إلى تقسيم المنطقة. ولسوء الحظ، لا يزال البعض يعتبر معارضة الأيديولوجيات الدفاعية مهارة. ويجب ألا ننسى أن بعض المصطلحات التحقيرية دخلت حياتنا الفكرية بفضل هذه الحركات في الثمانينات. ورغم ذلك، لم تنجح هذه الخطط في تقسيم المنطقة، ومع ذلك، لم تنهار الجغرافيا على مدى أكثر من ثلاثين عامًا. كان من المفترض أن تؤدي الاحتلالات غير مسبوقة إلى صراعات داخلية كبيرة وإرهاب الجماعات. لكن العالم الإسلامي لم يسمح بذلك. وبدلاً من ذلك، أصبح الصهاينة هم من ارتبطوا بالإرهاب، وذلك رغم حماية الغرب لهم ودعم الأدبيات الاستشراقية والتنظيمات العميلة. واليوم يدين العالم كله، باستثناء الدول الأنجلوسكسونية وبعض دول أوروبا الغربية، الصهاينة بجرائم الإبادة الجماعية. بل إن الولايات المتحدة وبريطانيا تقومان بقتل جنود الأمم المتحدة.
لم يتوقعوا هذا السيناريو. لقد ربطوا كل شيء بنجاح إسرائيل، ففشل الصهيونية يعني فشل العصر الاستعماري الجديد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!